التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المقالات الأحدث

حزب الله... صمت بين خطأ التقدير واستنزاف القدرات

استمرار القصف الإسرائيلي للجنوب اللبناني بما فيها قصف اليوم العنيف على مناطق علي الطاهر ومرتفعات كفرتبنيت والنبطية الفوقا وجبل شقيف، رغم مرور أشهر على وقف إطلاق النار، يكشف عن واحدة من أكثر اللحظات التباسًا في مسار حزب الله منذ تأسيسه. الصمت الذي يلف الحزب ليس مجرّد خيار تكتيكي، بل لغز استراتيجي يدفع لتحليل أسبابه على مستويين: هل يراهن الحزب على أن "الكمون" سيقابل بكمون إسرائيلي؟ أم أن ما نراه هو نتيجة حقيقية لتصفية قدرات الردع، وتحول الحزب فعليًا إلى كيس ملاكمة في ساحة مفتوحة؟ أولًا: كمين التقدير الخاطئ السيناريو الأول يُفترض أن الحزب اختار التهدئة عن وعي، ظنًا منه أن امتصاص الضربات سيكبح شهية إسرائيل، وأنه كلما تراجع خطوة، هدأت النار المقابلة. لكن هذا الرهان على "عقلانية" الخصم يبدو حتى الآن خاسرًا. إسرائيل تقرأ الكمون كضعف، وتستثمر فيه بكل ما لديها من طيران واستطلاع وذخيرة دقيقة. من مارس إلى يونيو، نفذت أكثر من 900 ضربة، بعضها طال مواقع مفترضة لتخزين طائرات درون تحت الأرض، وأخرى استهدفت طرق الإمداد وصواريخ نوعية كان الحزب يحاول إخفاءها. ببساطة، إسرائيل لا تقرأ ا...

الصراع في سوريا: الطائفية والتدخلات الخارجية ومستقبل الحرب

 من حلب إلى دمشق: هل تنتهي الحرب أم تعيد تشكيل نفسها؟

 


كل شر يصنع مقاومته، وكل ثأر يخلق طالبيه. ربما تتراجع المقاومة وتتوارى مطالب الثأر تحت وطأة فروق القوة، وتفوق القدرةـ لكن سرعان ما تعود أشباح الانتقام للظهور مع أول فرصة تظهر فيها علامات الضعف على القوة الغاشمة، طالما بقيت أسباب الثأر قائمة. نظام بشار الأسد لا يفقه ولا يتعلم ولا يستوعب. قدرته على الحكم مرتبطة فقط بقدرته على القمع فإذا انهار القمع، فلا بواكي له. لا يعرف بشار من القوة إلا قدرتها على القهر، ولا يعرف من الحكم إلا القدرة على النهب، ولا يعرف من التاريخ إلا انتصارات الطغاة، ولم يستوعب الخطوط الفاصلة بين شرعية الدولة وبلطجة العصابة. بمساعدة روسيا وإيران وحزب الله والميليشيات الشيعية، قضى الأسد على كثير من خصومه، لكنه لم يقضِ على أسباب خصومتهم، فبقيت قادرة على التجنيد، واستمرت أشباح الماضي في الظهور مع أول ظهور لأي ملامح ضعف.

 

إزالة الالتباس:

ازدادت التفسيرات المؤامراتية حول من يحارب الأسد في حلب وريفها. وكلما اقتربت مواقفك من دعم الأسد كلما نشطت تلك التفسيرات بشكل أكبر. خاصة في ظل تصاعد القصف والتهديدات الإسرائيلية في سوريا. لكن تحليل تكوين هذه القوات ربما يعطي تفسيرات أخرى أكثر تعقيدا من تفسير المؤامرة الإسرائيلية.

لا يخفي القائمين بعملية الهجوم على حلب الطابع الجهادي الذي يبدو في الشعارات التي تم ترديدها أو في سمات المقاتلين. أعلنت مجموعات تسمي نفسها " غرفة العمليات المشتركة" تفاصيل المعركة التي أطلقت عليها أسم " ردع العدوان"، لكن لم تعلن بصراحة من يشارك في تلك "العمليات المشتركة". اتضحت الصورة تدريجيا. فلم يكن في الأمر ثمة أسرار.. تشكلت العمليات المشتركة من تنظيم "الفتح المبين" التابع لهيئة تحرير الشام، وفصائل أخرى أقل تأثير مثل حركة أحرار الشام، وكذلك، ما يعرف "بالجيش الوطني السوري"، وحكومة الإنقاذ السورية.

أختصارا، فهيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، المتحالفة مع جهاديين محليين، هي الفصيل الأبرز في الهجوم. رغم الطابع الجهادي للهجوم إلا انه مكون من فصائل في حالة خصومة مع “داعش" التي أفسدت كل تحالفاتها نظراً لطبيعتها الانتحارية غير القابلة للموائمة. هيئة تحرير الشام، الفصيل الأهم في الهجوم، والتي عرفت سابقا "بجبهة النصرة"، لها تاريخ ارتباط بتنظيم القاعدة، لكن الجولاني انفصل بها عن القاعدة في عام 2016 وركز على الإطاحة ببشار الأسد وإقامة حكم إسلامي في سوريا.

كما يظهر الطابع الجهادي لهيئة تحرير الشام في طبيعة تجنيد المقاتلين الأجانب الذين يشاركون الهيئة الأيدلوجيا السلفية الجهادية. حيث تضم بين ضفوفها مقاتلين سلفيين أجانب من بلدان وسط أسيا وغيرها. كما تحكم الحركة المناطق تحت نفوذها بتفسير سلفي متشدد للشريعة وان كانت قد بدأت في تخفيف وطأته مؤخرا للحصول على اعتراف المجتمع الدولي وتحسين التنسيق والتعاون مع الحكومة التركية التي تعتبر أحد أهم حلفاء الهيئة.

تداخلت الأمور بشكل معقد بسبب تعدد الولاءات على الأرض، فقد وصفت قوات سوريا الديمقراطية المكونة من غالبية كردية، الهجوم على حلب انه مدعوم تركياً. مما دفعها للانتشار في الضواحي الشمالية الغربية لمدينة حلب، ومطار حلب الدولي، بما ينذر بمواجهة بين فصائل المعارضة بعضها البعض.

حلب: توقيت الهجوم وسياقه

توقيت هجوم المتمردين في حلب يعكس عوامل واقعية أكثر من كونه نتاجًا لمؤامرة. فرغم تشابك المصالح المتعارضة، فإن الإقرار بأن المعارضة تتحرك بدفع من قوى غربية أو إسرائيل يبقى تبسيطًا مبالغاً فيه. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن تلاقي المصالح قد وفر توقيتًا مثاليًا للهجوم. ضعف القوى المؤثرة على الأرض كان أحد أبرز العوامل. قوات النظام السوري تعاني من انعدام الانضباط وعجز عن حسم المعارك، وهي المهمة التي كانت تُنجز عادة عبر أطراف خارجية غابت عن المشهد بفعل تغيرات إقليمية. انشغال إيران وحزب الله بمواجهة إسرائيل في خطوط التماس الساخنة، إلى جانب استنزاف روسيا في حديقتها الخلفية المشتعلة، بأوكرانيا، أدى إلى تراجع الدعم لقوات الأسد وخلق فرصة سانحة للمتمردين للتقدم.

كان عنصر المفاجأة حاسماً في هذا الهجوم. فقد أربك النظام السوري وأتاح للمتمردين التقدم بسرعة كبيرة، ما أدى إلى استيلائهم على مساحات واسعة من الأراضي خلال فترة زمنية قصيرة، ليصبح الهجوم واحدة من أكبر التحركات العسكرية في السنوات الأخيرة.لكن الطابع الجهادي للمتمردين، والخلافات البينية بين قوى المعارضة التي تقاتلت فيما بينها بوتيرة تساوي ان لم تكن تتفوق على قتالها لنظام الأسد،  والبعد الطائفي للمعارضة التي تظهر كميليشيا بدائية غير قادرة  على تقديم نموذج بديل أو التعامل مع العالم ولا فهم قواعد إدارة الدولة، ولا كسب قلوب وعقول السكان المحليين كلها عوامل تؤشر الى عدم قدرة المعارضة على تطوير انتصاراتها في حلب أو البناء عليها.

 

الطائفية كإطار للصراع

افترست الطائفية السياسة في سوريا فبقى بيت الأسد وزالت سوريا. حكم الأسد كان أهم من الوطن ذاته. الطائفية لم تكن مجرد أداة حرب في يد النظام، بل أصبحت جزءًا من بنيته السياسية، لحماية بقائه كهدف أساسي والإبقاء على الوضع التمييزي للأقلية التي يمثلها في الحكم. كلها عوامل تكشف إن الصراع في سوريا مرشح دائما لتجميع الغاضبين وتفجير الغضب. لم يتعلم النظام السوري شيء من أكثر من أربعة عشر عام من إعادة الفشل.

النظام السوري ركز جهوده على إذكاء الطابع الطائفي ضد أغلب السوريين من خلال الاستهداف على الهوية والتهجير والقتل والمطاردة. المتمردون يتحدثون بلغة الصراع الوحيدة التي أقرها الأسد كإطار لإدارة الحرب، الطائفية.

 تحولت الدولة إلى عصابة ذات طابع مافيوي وتحولت سوريا في ظل حكم الأسد إلى مركز عالمي لإنتاج وتهريب المخدرات، وعلى رأسها عقار الكبتاجون. هذا العقار، الذي أُنتج أصلاً لعلاج اضطرابات نفسية، أصبح رمزًا لدولة العصابات السورية. تشير التقارير إلى أن سوريا مسؤولة عن 80% من الإنتاج العالمي، مما يعزز وضعها كدولة مخدرات تُدار من قبل النظام نفسه. كما تحولت دمشق إلى حاملة طائرات روسية وربما إيرانية متقدمة، لا تملك فيها حكومتها حق السيادة الكامل في مواجهة رعاتها الأمنيين الذين يضمنون بقائها. انشطرت القوة في سوريا ولم يستطع طرف توحيدها. فالكل يسعى أن تكون سوريا له وحده وأن يختفي الأخرين، فلم تبقى سوريا لأحد في النهاية.

ما يحدث وسيحدث في سوريا لا يمكن اختزاله في مؤامرة غربية أو إسرائيلية. قد تكون هناك أطراف استغلت اللحظة، وأخرى عززت حضورها في خضم الفوضى، لكن جذور الصراع في سوريا أعمق مما يبدو على السطح. جذور عززتها أشباح ودماء آلاف القتلى وملايين النازحين والطائفية والرغبة في التطهير الطائفي لأغلبية السكان. طالما أن نظام الأسد ينظر لكل البلاد وكل سكانها انهم غنيمة نصره في حرب لم ينتصر فيها، فإن شبح الثأر والصراع سيظل حاضراً، يترقب لحظة ضعف ليعود إلى السطح من جديد.

تعليقات

المشاركات الشائعة