التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المقالات الأحدث

حزب الله... صمت بين خطأ التقدير واستنزاف القدرات

استمرار القصف الإسرائيلي للجنوب اللبناني بما فيها قصف اليوم العنيف على مناطق علي الطاهر ومرتفعات كفرتبنيت والنبطية الفوقا وجبل شقيف، رغم مرور أشهر على وقف إطلاق النار، يكشف عن واحدة من أكثر اللحظات التباسًا في مسار حزب الله منذ تأسيسه. الصمت الذي يلف الحزب ليس مجرّد خيار تكتيكي، بل لغز استراتيجي يدفع لتحليل أسبابه على مستويين: هل يراهن الحزب على أن "الكمون" سيقابل بكمون إسرائيلي؟ أم أن ما نراه هو نتيجة حقيقية لتصفية قدرات الردع، وتحول الحزب فعليًا إلى كيس ملاكمة في ساحة مفتوحة؟ أولًا: كمين التقدير الخاطئ السيناريو الأول يُفترض أن الحزب اختار التهدئة عن وعي، ظنًا منه أن امتصاص الضربات سيكبح شهية إسرائيل، وأنه كلما تراجع خطوة، هدأت النار المقابلة. لكن هذا الرهان على "عقلانية" الخصم يبدو حتى الآن خاسرًا. إسرائيل تقرأ الكمون كضعف، وتستثمر فيه بكل ما لديها من طيران واستطلاع وذخيرة دقيقة. من مارس إلى يونيو، نفذت أكثر من 900 ضربة، بعضها طال مواقع مفترضة لتخزين طائرات درون تحت الأرض، وأخرى استهدفت طرق الإمداد وصواريخ نوعية كان الحزب يحاول إخفاءها. ببساطة، إسرائيل لا تقرأ ا...

إجابات معقدة عن اسئلة النصر والهزيمة في حرب حماس واسرائيل

 








ترامب وإسرائيل: دعم المستوطنين وتصعيد العنف في الضفة الغربية

يتفاءل البعض بوصول ترامب إلى واشنطن مرة أخرى، دون أن يدعموا تفاؤلهم بأدلة مناسبة. وفر عليهم ترامب عناء إيجاد الأدلة وبدأ في تقديم الأدلة المضادة. افتتحت إسرائيل ولاية ترامب بعملية موسعة في الضفة، وافتتح ترامب ولايته بدعم عصابات المستوطنين. 

فبينما يتصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، منح ترامب في يومه الأول وساعته الأولى لوصوله إلى البيت الأبيض حصانة سياسية لقتل مزيد من الفلسطينيين. حيث أوضح موقع البيت الأبيض أن ترامب ألغى الأمر التنفيذي رقم 14115 الصادر في الأول من فبراير 2024 والموجه ضد هجمات المستوطنين، والذي سمح بفرض عقوبات معينة "على الأشخاص الذين يقوضون السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية".

انقلبت وعود ترامب من "سنوقف الحرب في الشرق الأوسط" إلى تصريحات مثل "إنها ليست حربنا" و"لست واثقا من استمرار وقف إطلاق النار". بهذه التصريحات، أظهر ترامب تناقضًا واضحًا بين وعوده السابقة وأفعاله الحالية.

هدنة أم فخ؟ قراءة في أهداف وقف إطلاق النار

يقدم ترامب الهدنة في خطاب توليه على أنها مساهمة منه في عودة الرهائن. لم يذكر وقف المعاناة والدم الفلسطيني كهدف لأنه ليس من أهدافه. لا حديث عن وقف الحرب ولا رغبة في ذلك. هذه الإدارة تُظهر درجة إجرامية تفوق سابقتها، فهم رفاق جرم يختلفون فقط في الدرجة لصالح الإدارة الحالية.

نحن أمام هدنة مؤقتة تهدف فقط إلى تحقيق مطالب إسرائيل باسترداد رهائنها. الاعتقاد بأن الحرب قد انتهت وأننا دخلنا مرحلة "اليوم التالي" هو حماقة صنعتها بعض القنوات الإعلامية. أما الحديث عن انتصار استراتيجي في 7 أكتوبر، فهو أقرب إلى التفكير بالتمني منه إلى قراءة واقعية للأحداث.

قد يبدو مربكا للبعض أن الموقف الذي يقدمه هذا المقال يجمع بين الإقرار بفشل إسرائيل الواضح في تحقيق أهدافها المعلنة عبر الضغط العسكري، وهو أمر لا شك فيه، وبين الإشارة إلى أن هذا الفشل الإسرائيلي لا يعني نجاح عملية 7 أكتوبر عسكريًا في تحقيق أهداف تتجاوز خسائرها. نحن أمام حرب يمكن وصفها بأنها حرب "لم ينجح أحد"؛ فقد دخل جميع الأطراف بأهداف طموحة، لكنهم أنهوا مرحلتها الأولى دون تحقيق تلك الأهداف.

تكتيكات المقاومة: نجاح العمليات أم إخفاق الاستراتيجيات؟

انطلقت عملية 7 أكتوبر من حكمة عربية، غير حكيمة في منطقها وهي "إذا ضربت فأوجع، فأن العاقبة واحدة". خطأ مركب في الاستنتاج. فلم تكن أبدا العاقبة واحدة. فأسر جندي واحد ليس له عاقبة قتل 1200 وأسر 300 خاصة إذا كان هناك تفاوت في القوة والقدرة وحجم النيران وقدرة خصمك على تنفيذ ضربات في عمقك دون أن يكون لك القدرة على الرد، وايضا درجة عدوانية هذا الخصم.

بينما يتصاعد الجدل حول النصر والهزيمة، وتتشكل مواقف حول شرعية المقاومة أو عدم شرعيتها، يمكن أن يخرج موقف أكثر اتساقًا مع واقع الحال. موقف يقبل المقاومة من حيث المبدأ لكنه ينتقد تكتيكات وتوقيتات الفعل المقاوم وفقًا لحسابات المكسب والخسارة.

المنطق القائل بأن عليك إما قبول المقاومة، كل المقاومة، أو رفض المقاومة، كل المقاومة،  يبدو موقفًا يعبر عن بؤس جوهره، نابعًا من عقلية تميل إلى تسطيح العالم إلى اختيارات محدودة، إما معنا أو علينا.

المقاومة، كأي فعل إنساني، يمكن أن تقع على طيف يتشكل عند طرفيه إجابات خاطئة أو متطرفة. وتكمن الإجابات الصحيحة في مساحة ما في المنتصف. الاختيارات الحدية غالبا ما تقود إلى الفشل. ترك المقاومة اختيار خاطئ، وانتحار المقاومة أيضًا اختيار خاطئ.

 

يطرح التساؤل: هل المقاومة فعل عقلاني أم هي استجابة عاطفية للإحساس بالظلم؟ المقاومة تتشكل من الاثنين معًا: المشاعر البشرية التي يحركها رفض الظلم وطلب المساواة البشرية، ولكن تنفيذ تكتيكاتها وعملياتها هو عملية عقلانية تهدف إلى تعظيم المكاسب وتقليل الخسائر. 7 أكتوبر نجحت كمعركة لكنها فشلت كحرب، لأن مكاسبها المحتملة أقل من خسائرها الفادحة.

المقاومة إما أن تعمل كميليشيا خفيفة الحركة والعبء، أو كقوة حكم مسؤولة عن أرواح مواطنيها. الميليشيا تهاجم دون خطط دفاع عن جمهورها، أما جماعة الحكم فإن قررت الهجوم فيجب أن تكون لديها خطط للدفاع عن مواطنيها وجمهورها. لكن خلط الاثنين سيرفع التكلفة بشكل يفوق القدرة على التحمل.

إدارة غزة: بين حماية المدنيين وفشل التخطيط

حماس سعت للعب دورين متناقضين: قيادة عمليات هجومية ضد إسرائيل، وإدارة شؤون قطاع غزة وحماية سكانه. إلا أن هذه الازدواجية أدت إلى نتائج كارثية على الصعيدين.

نجحت المقاومة في 15 شهرًا من القتال في تجديد صفوفها وتجنيد مزيد من المقاتلين رغم قوة الضربات. كما نجحت في التماسك وتوجيه ضربات حتى في آخر شهور القتال في أكثر مناطق القتال التهابًا، في جباليا وشمال غزة. كما نجحت في حماية نفسها من الاختراق المخابراتي الذي فكك صفوف حزب الله. حتى إن قائد عملية 7 أكتوبر والمطلوب الأول، يحيى السنوار، عُثر عليه بالمصادفة بعد استشهاده على خطوط المواجهة الأمامية.

لكنها فشلت تماما في تقديم اي خطة لحماية المدنيين، بل إن موسى أبومرزوق  المسؤول البارز في المكتب  السياسي في حماس ادعى ان حماية المدنيين ليس من واجبات الحركة، وأن الأنفاق مخصصة فقط لحماية مقاتليها. وهو تصريح مقبول من ميليشيا لكن ليس مقبول من حكومة تدير القطاع.

 كما فشلت الإدارة المدنية للحركة في تأمين طرق المساعدات وتعرض سائقين شاحنات للاعتداء وتعرضت الشاحنات للنهب من قبل عشائر وتجار حرب. فشلت الأجهزة الحكومية التابعة لحماس في حماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات بشكل منتظم. تزايدت عمليات سرقة شاحنات المساعدات في الأسابيع الأخيرة، مما دفع وزارة الداخلية في غزة، التي تديرها حماس، إلى إطلاق حملة لمكافحة هذه الظاهرة. ورغم هذه الجهود، استمرت السرقات، مما زاد من معاناة السكان.  كما لم تستطع الإدارة المدنية للقطاع السيطرة بشكل كلي على توزيع المعونات مما تسبب في أضرار للفئات الأكثر ضعفا.

بينما كانت إدارة العمليات العسكرية متماسكة، كانت إدارة الجبهة الداخلية كارثية بما لا يمكن تبريره وكأن الحركة استعدت لحرب في أرض بلا بشر.

على الصعيد الاستراتيجي، لم يحقق الهجوم أهدافه المتمثلة في الاعتراف الدولي بحق الدولة الفلسطينية أو حتى رفع الحصار المفروض على القطاع. بل أدى إلى تصعيد العنف وتدمير واسع للبنية التحتية. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، أن 92% من المباني السكنية في غزة دُمرت أو تضررت نتيجة القصف الإسرائيلي.  كما أدى الضغط الشديد على الأجهزة الحكومية إلى عجزها عن توفير الحماية الكافية للمدنيين. تشير التقارير إلى أن أكثر من 85% من سكان غزة، أي حوالي 1.9 مليون شخص، اضطروا لترك منازلهم نتيجة النزاع، وذلك في أكبر عملية نزوح منذ عام 1948.  

 

دروس من العدو: النقد الذاتي ومحاسبة المسؤولين في إسرائيل

تشهد إسرائيل حاليًا حملة سياسية ومجتمعية واسعة لمحاسبة المسؤولين عن الإخفاقات التي ظهرت في أحداث 7 أكتوبر واستقال عدد من كبار المسؤولين العسكريين بما فيهم رئيس الأركان وقائد المنطقة الجنوبية.. هذه الحملة ليست جديدة، بل تأتي في سياق النهج الذي تتبعه إسرائيل بعد كل فشل كبير يظهر في الأداء العسكري أو السياسي للجيش والحكومة. تهدف هذه العملية إلى الحفاظ على حيوية المجتمع الإسرائيلي وفاعلية مؤسساته الحكومية. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا بعملية نقد مستمرة لمعرفة أين كان يكمن الفشل وما الذي حدث خطأ. على المقاومة وجمهورها أن يتعلموا شيئًا من عدوهم. فضيلة النقد الذاتي والتعلم من أخطاء الماضي.

فبدلًا من التمسك بالمواقف أو الاحتفاء بالخسائر كانتصارات، يصبح التقييم الواقعي للأداء ومعرفة مكامن الخلل وسيلة فعّالة للتطوير وتحقيق الأهداف بشكل أكثر كفاءة.

 إجابات معقدة: النصر والهزيمة في سياق المقاومة الفلسطينية

تظل أسئلة النصر والهزيمة في حرب غزة بعيدة عن الإجابات السهلة والمباشرة. ففي هذه الحرب، لم ينجح أي طرف في تحقيق أهدافه الكبرى. المقاومة، رغم نجاحها في توجيه ضربة موجعة لإسرائيل يوم 7 أكتوبر، لم تتمكن من ترجمة هذا النجاح الميداني إلى مكاسب استراتيجية ملموسة مثل رفع الحصار أو تحقيق الاعتراف الدولي بحقوق الشعب الفلسطيني.

في المقابل، إسرائيل، رغم قوتها العسكرية الساحقة، لم تنجح في منع المقاومة من ضرب عمقها الأمني ولا في تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة.

الإجابة المعقدة تكمن في أن مفهومي النصر والهزيمة لا يُقاسان فقط بعدد الضحايا أو بحجم الدمار، بل بقدرة الأطراف على تحقيق أهدافهم الاستراتيجية وتحمل تبعات مغامراتهم العسكرية. المقاومة لم تُوفّق في تحقيق توازن بين أدوارها كقوة عسكرية وكجهة حاكمة مسؤولة عن حماية المدنيين، مما أوقعها في فخ الخسائر الفادحة.  

بالمقابل، إسرائيل تواجه اليوم أزمة ثقة داخلية وتصدعات في صورتها الأمنية أمام العالم، وهو ما يُظهر أن تفوقها العسكري لم يتم ترجمته كنصر حاسم يحقق أهداف الحرب.

في النهاية، تُلزمنا هذه الإجابات المعقدة بالنظر إلى هذه الحرب بعيون أكثر حرصًا وتبصرًا، تتجاوز ثنائية النصر والهزيمة التقليدية، لفهم تداعياتها على المدى الطويل ، ولإعادة التفكير في مسارات المقاومة وإدارة الصراع.

7 أكتوبر كانت عملية ناجحة ذهبت ضحية نجاحها الباهر. والحروب لا تُحسم على المستوى العملياتي فقط، بل على مستوى الاستراتيجيات الكبرى. كان يمكن للمقاومة أن تحقق أهدافًا أكثر واقعية من خلال سلسلة عمليات أصغر وأكثر فاعلية، بدلاً من عملية واحدة كبيرة بأثر تدميري.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة