 |
وفي تعددنا قوة |
هل يمكن أن نعيد خلق الاستبداد بطريق ديمقراطي؟
هل يمكن أن نصيغ ديمقراطية مستبدة؟ وهل هناك ما يسمى بديكتاتورية الأغلبية؟ وكيف يمكن الانقلاب على المبادئ الديمقراطية بطريقة ديمقراطية؟ ربما نجد إجابات على كل هذه الأسئلة بوضع خطوط فاصلة بين نوعين من الديمقراطية:
1. الديمقراطية العددية: وهي ديمقراطية تقود إلى الاستبداد.
2. الديمقراطية التعددية: وهي ديمقراطية تقود إلى الحريات وحفظ الحقوق.
الفرق بين الديمقراطية العددية والديمقراطية التعددية
هناك فرق واضح بين الديمقراطية العددية والديمقراطية التعددية. الديمقراطية العددية تقر بأن الفيصل النهائي هو لمن يملك العدد الأكبر، حتى لو تم التصويت على نزع حقوق الأقلية وحرياتها. بينما الديمقراطية التعددية ترفض أن تضع الحقوق والحريات رهينة للمؤامات السياسية والنزوات العددية.
الديمقراطية العددية تؤمن بديكتاتورية الصندوق، بينما الديمقراطية التعددية تؤمن بديمقراطية الصندوق. الديمقراطية العددية قد تمهد لاستبداد باسم الأغلبية، بينما الديمقراطية التعددية تصون الحقوق حتى ولو كانت لفرد واحد.
الديمقراطية العددية لا تعترف إلا بالعدد الحسابي، أما الديمقراطية التعددية فتعترف بالتنوع الإنساني والتعددية الاجتماعية.
طغيان الديمقراطية العددية
الديمقراطية العددية هي طغيان من نوع آخر، وهو نوع يستند إلى الأغلبية التي ترى أن كونها أغلبية يمنحها الحق في الافتئات على حقوق الأقليات وحرياتهم في الاعتقاد أو التعبير أو الاختلاف. هذا النوع من الاستبداد يكون أكثر تدميرًا للحقوق وأكثر انتهاكًا للحريات، لأنه لا يستند إلى مستبد واحد بل يستند إلى أكثرية من المستبدين.
حقوق الأقليات في الديمقراطية التعددية
الديمقراطية التعددية تقبل أن أي أقلية هي بذرة لأغلبية، وأن من حق الأقلية أن تتمتع بنفس حقوق الأغلبية. أي انتهاك لهذه الحقوق، ولو كان انتهاكًا لحق فرد واحد في التعبير والاعتقاد والاختلاف، هو مقدمة لتدمير حقوق المجتمع كله وقمع حريات كل الناس. الطغاة لا يمارسون طغيانهم بالجملة بل يمارسونه بالتقسيط، بحيث يبدأ بأضعف الحلقات في المجتمع ثم يستدير للآخرين على دفعات.
حقوق الإنسان في الديمقراطية التعددية
الديمقراطية العددية ترى أن الحقوق والحريات أسيرة لرغبات الأغلبية في المجتمع أو البرلمان، فإن شاءت منعتها وإن شاءت منحتها. بينما الديمقراطية التعددية تؤمن أن الحقوق هي حق بشري ممنوح للبشر بالميلاد، لا يمكن لأي قوانين أو قرارات أن تصادره أو تمنعه حتى ولو كان هذا القرار محصنًا بقرار من الأكثرية.
قوة التنوع في الديمقراطية التعددية
الديمقراطية العددية تؤمن أن قوتنا في فرض رؤيتنا على الآخرين ولو بالقوة، بينما الديمقراطية التعددية تؤمن أن في التنوع قوة وفي التعدد مساحة للإبداع. لدينا فرص في التطور. تظهر المجتمعات التي تحافظ على التنوع متقدمة بمالقارنة من المجتمعات التي تفرض التجانس.
مصر على مفترق الطرق
مصر الآن على مفترق الطرق، فلنحذر الاستبداد باسم الأغلبية . ولنعلم أن الحقوق والحريات ليست منحة من مخلوق بل هي هبة طبعية للبشر وهي فوق القوانين والدساتير وفوق حكم الأغلبية نفسه وهي أهم ضمانة للجميع فكل أقلية هي بذرة أغلبية. وكل أغلبية قد تتحول لأقلية، فضمان الحقوق للجميع وحفظها للجميع هو أيضا ضمانة للجميع وضمانة لبقاء التنافس السياسي السلمي ودونها فأن الجميع عرضة للانتهاك أن لم يكن اليوم، فغدا.
خلاصة
الديمقراطية العددية قد تؤدي إلى استبداد الأغلبية، بينما الديمقراطية التعددية تصون حقوق الجميع وتحترم التنوع. يجب أن ندرك أن الحقوق والحريات هي حقوق بشرية لا يمكن التنازل عنها أو مصادرتها بأي حال من الأحوال. في التنوع قوة، وفي التعدد مساحة للإبداع والتقدم.
تعليقات
إرسال تعليق