التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المقالات الأحدث

حزب الله... صمت بين خطأ التقدير واستنزاف القدرات

استمرار القصف الإسرائيلي للجنوب اللبناني بما فيها قصف اليوم العنيف على مناطق علي الطاهر ومرتفعات كفرتبنيت والنبطية الفوقا وجبل شقيف، رغم مرور أشهر على وقف إطلاق النار، يكشف عن واحدة من أكثر اللحظات التباسًا في مسار حزب الله منذ تأسيسه. الصمت الذي يلف الحزب ليس مجرّد خيار تكتيكي، بل لغز استراتيجي يدفع لتحليل أسبابه على مستويين: هل يراهن الحزب على أن "الكمون" سيقابل بكمون إسرائيلي؟ أم أن ما نراه هو نتيجة حقيقية لتصفية قدرات الردع، وتحول الحزب فعليًا إلى كيس ملاكمة في ساحة مفتوحة؟ أولًا: كمين التقدير الخاطئ السيناريو الأول يُفترض أن الحزب اختار التهدئة عن وعي، ظنًا منه أن امتصاص الضربات سيكبح شهية إسرائيل، وأنه كلما تراجع خطوة، هدأت النار المقابلة. لكن هذا الرهان على "عقلانية" الخصم يبدو حتى الآن خاسرًا. إسرائيل تقرأ الكمون كضعف، وتستثمر فيه بكل ما لديها من طيران واستطلاع وذخيرة دقيقة. من مارس إلى يونيو، نفذت أكثر من 900 ضربة، بعضها طال مواقع مفترضة لتخزين طائرات درون تحت الأرض، وأخرى استهدفت طرق الإمداد وصواريخ نوعية كان الحزب يحاول إخفاءها. ببساطة، إسرائيل لا تقرأ ا...

7 أكتوبر: مراجعات السنة الثانية.. لماذا فشلت حسابات السنوار؟

 





 

يوم السبت 4 يناير أذاعت حماس فيديو للأسيرة ليري ألباج. وهي مجندة تبلغ من العمر 19 عامًا، تم أسرها في 7 أكتوبر من نقطة حراسة مستوطنة ناحال عوز، إحدى مستوطنات غلاف غزة. بدت الأسيرة في الفيديو فاقدة الأمل في حكومتها وجيشها الذي أرسلها لمكان خدمتها، حيث تم أسرها وهي ترتدي زي الجيش الرسمي.

 اتهمت  ألباج الجيش بتكثيف عملياته العسكرية مما أدى إلى إصابة زميلتها وتعريض حياتها للخطر. وهذه نفس الإشارة التي أشار لها كل الأسرى الذين تكلموا في فيديوهات مسجلة. ورغم كل المناشدات بإيقاف العمليات العسكرية، خاصة تلك الموجهة بالقنابل الغبية والقتل العشوائي، إلا أن "جيش الدفاع الإسرائيلي" لم يكترث واستمرت عملياته في قتل وجرح حتى أسراه، الذين قتل عدد كبير منهم في محاولات لتحريرهم.

ختمت الأسيرة كلامها الموجه لحكومتها: "أدركت أن حياتنا ليست مهمة لكم. فهمت أننا لعبة لديكم... نحن تحت القصف المجنون يوميًا... إن حدث لي شيء تذكروني. تذكروا اسمي. تذكروا هذا الفيديو وليكتب على قبري كل هذا بسبب الحكومة والجيش."

نحن أمام سابقة في تاريخ عملية تحرير الأسرى والمخطوفين الإسرائيليين، الأولوية فيها لاستعراض القوة وممارسة التنكيل وليس لتحرير الأسرى فعلاً. وهو تغير في العقيدة والعقلية والهدف، حمل مفاجأة غيرت تصورات إدارة الصراع.

 

نجاح 7 أكتوبر وفشل استراتيجياتها

بنى يحيى السنوار مجموعة من الفرضيات حول إدارة عملية 7 أكتوبر. الفرضية الأولى استندت إلى تجربته الشخصية، إذ إن السنوار نفسه أسير فلسطيني محرر من سجون الاحتلال الإسرائيلي، خرج في عام 2011 ضمن عملية تبادل الأسرى التي أطلق فيها سراح جلعاد شاليط مقابل 1026 أسيرًا فلسطينيًا كان السنوار واحد منهم. 

كان الاستنتاج الذي بناه السنوار خاطئًا لأنه ارتكز على تسلسل منطقي مغري ولكنه غير دقيق. فقد افترض أن خطف جندي إسرائيلي واحد في عملية محدودة أدى إلى الإفراج عن هذا العدد الكبير من الأسرى، لذا فأن توسع العملية بشكل أكبر سيؤدي حتمًا إلى نجاح أكبر وإطلاق سراح جميع الأسرى. كان هذا الاستنتاج بمثابة الفخ الذي جمع الجميع كالفراشات حول النار. فهناك دائمًا مستوى معين لا يمكن تجاوزه في النجاح العسكري، وهو المستوى الذي يتناسب مع قدراتك على تحمل تكاليفه. وهكذا، كانت عملية 7 أكتوبر ضحية نجاحها المفرط.

العقد الثامن والحرب الأهلية: استنتاجات متسرعة عن تفاعل لم يكتمل

أما الفرضية الثانية، فقد بنيت على الاعتقاد بأن إسرائيل في حالة ضعف بنيوي واجتماعي، وصراع داخلي مدمر، وذلك ضمن ما يُعرف بـ"عقدة العقد الثامن". تصاعدت الأزمة الإسرائيلية خلال عام 2023 على خلفية ما عُرف بـ"قانون المعقولية"، وهو قانون يحد من صلاحيات المحكمة العليا في مراجعة التشريعات الصادرة عن الكنيست. 

أدى هذا القانون إلى انقسام عميق في المجتمع الإسرائيلي، حتى أن النخب السياسية في إسرائيل حذرت من أنها على شفا حرب أهلية  . كان إعلان  الأجهزة والنخب والإعلام الإسرائيلي أن إسرائيل في حالة أقرب للاحتراب الأهلي من أي وقت مضى مغري باستغلال الضعف. لكنه كان قفز  على الأحداث واحتفاء ببوادر لم تظهر نتائجها بعد على الأرض، وقطف ثمرة لم تظهر حتى براعمها. ف 7 أكتوبر وحدت المجتمع الإسرائيلي المنقسم ومنعت تفاعل الاقتتال الأهلي ليصل لنقطة الغليان الحقيقية.. بعبارة أخرى، كان تسرع في حصد غنائم محتملة لكنها لم توجد بعد. 

 

عزلة إسرائيل السياسية؟؟؟

كانت الفرضية الثالثة هي ما قاله السنوار عام 2021: "المقاومة ستجعل الاحتلال في حالة تناقض وتصادم مع الإرادة الدولية، وتعزله عزلاً عنيفاً وتنهي اندماجه بالمنطقة"، وهي نبوءة تحقق جزء منها، لكن بشكل غير كامل وغير كافٍ للعزل الحقيقي للاحتلال عن مصادر القوة الأساسية التي تدعمه.

تم عزل إسرائيل حقوقيًا، لكنها لم تُعزل سياسيًا عن مصادر قوتها، بل ضاعفتها. أظهرت 7 أكتوبر أن إسرائيل متشابكة تمامًا مع المصالح الكبرى في العالم، ورغم إدانتها في محافل حقوقية وفي الجنوب العالمي (باستثناء الهند التي تحكمها حكومة يمينية تستمر بالكراهية)، إلا أن ذلك لم يؤثر على درجة تدفق السلاح الأمريكي والأوروبي لمرافئ الاحتلال ومستودعاته. 

تم ترسيخ الانحياز الغربي في شكل اجراءات وأفعال  وليس مجرد كلمات. شجعت الحكومات الغربية، ولو ضمنيًا، تطوع عسكريين أو مدنيين للقتال مع إسرائيل وارتكاب المجازر معها، لكنها توعدت كل من يحمل جنسيتها بالعقاب بالسجن المطول إذا ما حارب ضد إسرائيل.

بكى مسؤولون رسميون على القتلى الإسرائيليين، لكنهم شككوا أو لم يكترثوا، عند الحديث عن الضحايا من الفلسطينيين. تحققت عزلة على المستوى الدبلوماسي في الجنوب العالمي، من جنوب أفريقيا إلى تشيلي إلى كولومبيا إلى البرازيل... لكن الشمال مستعد لإهدار ماء الوجه تمامًا وإعلان أن كل الدماء متساوية، لكن هناك دماء أكثر مساواة من غيرها. دعا شيوخ ونواب منتخبون لضرب غزة بقنابل نووية، ودعا آخرون إلى حالة طوارئ غربية يمكن أن تتخلى عن قيمها الكبيرة في سبيل الحفاظ على القيم الأكبر، وهي إسرائيل.

العزلة تحققت على مستويات غير قادرة على التأثير، وأفقدت الاحتلال سمعته المعنوية، وفككت أسطورة الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. لكن 7 أكتوبر كانت فرصة لإعادة الوحدة الأطلسية. أوروبا الرسمية وأمريكا الرسمية ترى أن إسرائيل هي ممثلة حالة التفوق الغربي في الشرق ومشروع الاستعمارية الأوروبية الحديثة في عالم ما بعد الحرب الثانية.   دعم الجنوب العالمي غزة بالكلمات والمواقف الدبلوماسية، لكن كان دعم الغرب لإسرائيل بالحديد والنار والدماء

قمع الحركات المؤيدة لفلسطين: كشف عورات الديمقراطية الغربية

قامت دول غربية بقمع الحركة المؤيدة لفلسطين بشكل منهجي، واستخدمت في ذلك قوانين كشفت عورات النظام الديمقراطي الغربي، كما حدث في ألمانيا التي منعت بالقوة عقد مؤتمرات وتظاهرات، وتم فصل البعض من أعمالهم بقوة قوانين حماية إسرائيل. في مفارقة لا تخلو من السخرية، منعت المانيا الدعم المالي وأوقفت مشاريع تعاون مع مؤسسات حقوقية إسرائيلية ناقدة للممارسات الحكومية في ملف حقوق الإنسان. تعطي ألمانيا دروس للحكومات  في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتنشط منظماتها لدعم الحكم الرشيد و الديمقراطية وحق المعارضة الآمنة للسياسات الحكومية في الكثير من العواصم العربية، لكنها تمارس عقاب صامت ضد المنظمات التي تفعل ذلك مع تل أبيب. الرسالة واضحة: لستم سواء. 

بل إن الجامعات الأمريكية نفسها قد تم تحجيم صوت الاحتجاج فيها وتم ترهيب الطلاب بأساليب قمعية أهدرت القيم الديمقراطية. 7 أكتوبر كشف كل ذلك، لكنه لم يكن كافيًا لعزل الاحتلال عن مصادر قوته لأن علاقته بتلك المصادر علاقة عضوية مركبة وليست علاقة نفعية مؤقتة.

انقسم العالم في بداية 7 أكتوبر وبدأ في مرحلة الطوارئ، لكن إسرائيل راهنت على الوقت ونجحت، فحولت مذابحها لروتين يومي لا يجذب نظر أحد، وتراجعت حركة التضامن العالمي، وتحولت المذابح إلى طبيعة الأمور. واستمر تدفق السلاح على إسرائيل، في حين بهت تدفق الدعم على الفلسطينيين.

التحولات الإسرائيلية: من العقلانية إلى الانتقام والتفوق العرقي

كانت فرضيات السنوار ورفاقه مبنية على معطيات قديمة، فيها العقلانية تحكم صناعة القرار الإسرائيلي، لكن ما لم ينتبه له السنوار، وما لم ننتبه له، أننا إزاء مجتمع إسرائيلي كله متجه يمينًا بلا يسار تقريبًا، مجتمع متمسك بالأساطير التوراتية حول التفوق اليهودي، حتى غير المتدين فيه. 

حالة قومية دينية جديدة قادمة من حلف المستوطنات الحاكم الذي يمثله بقوة بن غفير وسموتريتش بالإضافة للقوميين الكلاسيكيين الذي يمثلهم نتانياهو، الحلف المليء بالرغبة في الانتقام الدائم والرغبة في إثبات التفوق العرقي اليهودي وخلق مجتمع يعيش على الدماء وفي حالة حرب، إن لم يجدها سيخترعها.

لخصت ليري ألباج الفكرة حين قالت إن حكومتها وجيشها لا يضعانها هي وباقي الأسرى على رأس الأولويات، ولا الهدف الأساسي من الحرب. فهمت المنطق الكامن في حرب غزة التي تبدو أنها حرب انتقام وحرب تثبيت قواعد جديدة. قواعد تختلف عن القواعد القديمة التي استغلها الفلسطينيون سابقًا لتحقيق ردع منخفض التكاليف مع إسرائيل، وهي فكرة أن إسرائيل ستسعى لتحرير أسراها واستعادة جثث مقاتليها بثمن سياسي سترضخ له. تحولت المعادلة على يد المزاج اليميني الحاكم في إسرائيل. لا يهم البشر، المهم هو بقاء الكراهية المقدسة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة