بحث هذه المدونة الإلكترونية
مكان لفهم أعمق للعالم، من منظور عربي عالمي. مدونة تسلط الضوء على تعقيدات العالم العربي في سياق عالمي.
المقالات الأحدث
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
الجيش السوداني يستعيد السيطرة على الخرطوم: هل انتهت أسطورة الجنجويد؟
تكاثرت مفاجاءات حرب السودان في الأشهر الأخيرة ، انسحب الجنجويد من الخرطوم وتم السيطرة على القصر الرئاسي ومطار الخرطوم، تاركين وراءهم مشهدًا يختلف تمامًا عن ذلك الذي رسموه عندما اجتاحوا العاصمة قبل أشهر. لجيش السوداني، الذي بدا في البداية عاجزًا أمام زحفهم، عاد ليحكم قبضته على المدينة. بدا وكأن كفة الميزان قد مالت أخيرًا لصالح الجيش السوداني، لكن السؤال الأهم: هل هذا الانسحاب يعني أن الحرب انتهت؟ أم أن ما حدث مجرد تحول في قواعد اللعبة؟
كيف خسر الجنجويد معركتهم في الخرطوم؟
1- من قوة رعب إلى عصابة مطاردة
تحسم التمردات الأهلية بقدرة الميليشيا أو الجماعات المتمردة على كسب قلوب وعقول المدنيين أو على الأقل تحيدهم وعدم دفعهم لخانة الخصوم وهو ما يفرق التمرد Insurgency عن العمليات الإرهابية التي تهدف لتحقيق أكبر فزع بين المدنيين. لكن يبدو تمرد الدعم السريع بلا رؤية لكسب السكان المحليين.
لطالما اعتمد الجنجويد على تكتيك "الصدمة والرعب"، لكن مع مرور الوقت، تحول هذا الأسلوب إلى كارثة عليهم. الانتهاكات التي ارتكبوها—من نهب البيوت، واغتصاب النساء، وقتل المدنيين—قلبت المدنيين ضدهم في حرب لها طابع أهلي وشعارات مطلبية للمساواة مما جعل كسب المدنيين لا عدائهم أهم عناصر الانتصار فيها. اعتبر سكان المدن والمناطق التي سيطر عليه الجنجويد، بما فيها الخرطوم، أن وجود هذه القوات ذات الطابع القبائلي غير المنظم شرًا يجب مقاومته. حتى الفصائل والجماعات التي كانت محايدة في البداية، وجدت نفسها مضطرة للاصطفاف ضدهم. هكذا، لم يعد الجيش يقاتل وحده، بل انضم إليه عناصر مدنية عرفوا بالمستنفرين، سواء عبر المقاومة المباشرة أو بتقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي. فشل الجنجويد في كسب قلوب المحليين او حتى تحيدهم فخسروا معركة الخرطوم وما حولها وما قبلها.
2- حرب على عدة جبهات.. حتى من الداخل
الجنجويد ليسوا جيشًا بالمعنى النظامي، بل تحالف قبلي مسلح تديره عائلة دقلو، ويسيطر على موارده قلة قليلة من قادة قبيلة الرزيقات.
في البداية، كان المال المتدفق من مناجم الذهب كافيًا لإبقاء المقاتلين موالين. لكن مع استمرار الحرب، بدأ التمييز لصالح آل دقلو بشكل خاص وقبيلة الرزيقات بشكل عام يتحول لاستراتيجية تدمير ذاتي حيث أدى هذا التمييز لصراعات بين القبائل التي تشكل القوة الضاربة للدعم السريع.
من بين هذه القبائل، برزمثال قبيلة السلامات التي اشارت تقارير لتنامي العلاقة بينها وبين الدعم السريع عندما أرسل حميدتي وفدًا بقيادة عبد الرحيم دقلو لطلب دعم القبيلة، وتم الاتفاق على توفير 5 آلاف مقاتل مع تجهيزهم بأسلحة ثقيلة ومتوسطة و250 مركبة عسكرية. كما تم تقديم مبلغ مالي كبير بلغ 150 مليار جنيه سوداني لدعم المقاتلين.
ومع استمرار القتال لفترات طويلة بدأت تتكشف التحديات التي تواجه قبيلة السلامات في تحالفها مع قوات الدعم السريع. عدم الوفاء بالوعود المالية كان أحد أبرز أسباب خيبة الأمل بين أفراد القبيلة. فبينما تشير تقارير إلى أن قبيلة الرزيقات المتحالفة مع الدعم السريع كانت تتلقى مستحقاتها بانتظام، كانت مستحقات السلامات تتأخر مما أثار استياءً كبيرًا وأدى إلى توتر العلاقة بين الطرفين.
كما يظهر مثال أخر للصرع على النفوذ والمكانة وسيولة الرتب العسكرية التي أضعفت قلب الخزان البشري للدعم السريع بين قبائل عرب دارفور. حيث ظهرت تقارير حول الخلافات الداخلية على خلفية قبائلية بين وحدات القتال التابعة لقوات الدعم السريع.
وهنا برزت أزمة قبلية أخرى بين قبيلتي الرزيقات التي تقود الميليشيا وقبيلة المسيرية، ثاني أكبر قبيلة في التحالف المسلح المشكل للدعم السريع. حيث ظهرت خلافات بين رحمة مهدي، المعروف بـ"الجنرال جلحة"،قائد مجموعة مسلحة تابعة للمسيرية، وبين قادة الرزيقات.
فقد تسببت تصريحات أدلى به عمران حسن، مستشار في قوات الدعم السريع، على إحدى القنوات الإخبارية الإقليمية في غضب أنصار جلحة الذين اعتبروا أن تصريحاته تقلل من مكانة جلحة وتصفه بأنه مجرد جندي وليس قائدًا.وقد أدى هذا التصريح إلى تصعيد التوترات بين المقاتلين المسيرية ونظرائهم من الرزيقات، وانتهى الأمر بجلحة إلى سحب قواته والإعلان عن استقلاله عن قوات الدعم السريع.
وفي وسط السودان، بدأ التوتر يتصاعد بين حميدتي وقيادات أخرى شعرت بالتهميش واستبعادهم من تقسيم الغنائم، مثل أبو عاقلة كيكل، الذي قاد انشقاقًا كبيرًا بقوات "درع السودان" التي كانت قوة أساسية متحالفة مع الدعم السريع في وسط السودان تختلف في تركيبها الأثني عن قبائل عرب غرب السودان التي تشكل غالبية قوات الدعم السريع.
كشفت هذه الخلافات عن تصدعات في تحالف قبائلي هش لا يقوى على الاستمرار في حروب مطولة خاصة اذا ما فشل في توسيع قاعدة حلفائه. كما كشفت الصراعات أن شعار "محاربة التهميش" الذي رفعه حميدتي كان مجرد ورقة سياسية، بينما مارس التهميش نفسه تجاه حلفائه، ما أدى إلى تصدع تحالفاته من الداخل.
3- الضربة الخفية: تدخل خارجي قلب المعادلة
هناك شيء ما تغيّر في ساحة المعركة، لم يكن الجيش وحده أكثر تنظيمًا، بل بدا وكأنه حصل على دعم غير معلن. التقارير تتحدث عن تدخل مصري عبر الضربات الجوية والتخطيط العسكري. بينما تتحدث مصادر أخرى عن تدخل تركي عبر تزويد الجيش بمسيّرات "بيرقدار".
اللافت أن مقطع فيديو نشره جنود سودانيون عند وصولهم إلى السفارة المصرية المغلقة في الخرطوم أظهرهم يوجهون الشكر لمصر، في حين اتهم حميدتي القاهرة بقصف قواته.
أدى هذا التدخل إلى تركيز القصف وقطع خطوط الإمداد الأساسية للجنجويد وتقطيع أوصال قواتهم، ما سرّع انهيارهم في الخرطوم.
النتيجة كانت واضحة: ضربات دقيقة استهدفت خطوط الإمداد الرئيسية للجنجويد، مما جعلهم معزولين داخل الخرطوم بلا إمدادات ولا قيادة مركزية تدير العمليات، مما وضع قواتهم في موقف صعب بلا خيار أمامهم سوى الانسحاب.
هل كان هذا الانهيار نتيجة تخطيط عسكري محكم أم مجرد صدفة؟ المؤشرات تقول إنه لم يكن صدفة أبدًا. وربما يشير هذا أن مصر قادرة على تغيير المعادلة على الأرض لما لها من أدوات أكثر فاعلية حتى لو كان الطرف الثاني "الدعم السريع" مدعوم من دول أغنى.
هل انتهت الحرب فعلًا؟
قد يكون انسحاب الجنجويد من الخرطوم انتصارًا استراتيجيا كبيرًا للجيش، لكنه لا يعني أن السودان عاد إلى الاستقرار. الحرب غذّت الصراع التاريخي بين المركز والأطراف، وخلقت واقعًا جديدًا تتدخل فيه قوى دولية مثل الإمارات، التي تستمر في دعم دقلو للحفاظ على نفوذها في تجارة الذهب ومحاربة من تصفهم بالإسلاميين.
كما أن انتشار السلاح والتعبئة التي قام بها الجيش بين المدنيين تشير إلى سيولة كبيرة في التسليح في بلد كان سؤ توزيع الموارد فيه وكثرة مظاهر التسلح وتشتيت القوة أحد أسباب صراعاته على مر تاريخه. بما يعني أن البلاد قد تكون أمام جولات جديدة من الحرب، حتى بعد سقوط الخرطوم.
ما يمكن قوله بثقة هو أن الجيش وحلفاءه حققوا خرقًا كبيرًا في المعركة، لكن المعركة ليست الحرب كلها. الجنجويد ربما سقطوا في الخرطوم، لكن هل انتهوا تمامًا؟ الإجابة لم تحسم بعد خاصة بعد التحالف مع عبد العزيز الحلو قائد الجبهة الشعبية لتحرير السودان -الشمال - جناح عبد العزيز الحلو، بما يضمن لهم موطىء قدم في مناطق مثل كردفان جبال النوبة النيل الازرق بخلاف دارفور نفسها..
إجمالا، يمكن القول لم تزل حرب المركز والهامش مستمرة مع فروقات أن بعض الهوامش انضمت للمركز بعد محاولات هامش أخر استبعادهم. وبعض القوى السياسية في المركز تحاول استغلال الحرب لتحقيق مكاسب وإضعاف خصومهم.
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
المشاركات الشائعة
إجابات معقدة عن اسئلة النصر والهزيمة في حرب حماس واسرائيل
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
أحمد الشرع: "الجولاني" الذي أعاد تشكيل الجهادية السلفية
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق