بمناسبة الازمة العالمية وتراجع الليبرالية (اللي مش هيطول).كنت بالامس مع أصدقاء يساريين يتبنوا نفس الأفكار اللي بيتبناها اليساريين المصريين ( وهي أفكار مباشرة وبسيطة بالمعنى السيء من وجهة نظري)، يتحدثوا عن خطورة سلسلة المطاعم والخدمات العالمية وانها تجعل العالم مساحة للسيطرة الثقافية الأمريكية إلى آخر هذا الرطن اليساري، انتشر هذا النوع من اليسار في أوروبا طولا وعرضا ليتحدثوا عن نوستالجيا الحنين للرعب الأحمر اللي كان مسيطر على نص أوروبا لمدة نصف قرن وسقط من 30 سنة بسقوط الأنظمة الشيوعية والاتحاد السوفيتي ذات نفسه.
كلما ظهرت أزمة دور البشر في دفاترهم القديمة وجعلتهم النوستالجيا ضحايا الوهم لصورة متخيلة غير حقيقية عن الماضي. البشر الطبيعيين لا يمكن أن يكون لديهم حنين طبيعي لحكم الكرملين و KGB و Stasi وStátní bezpečnost وحكم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. هل تعلم يا عزيزي ان السور تم بناءه في برلين على سبيل المثال لان معدلات الهرب من (الجنة الشيوعية) أصبحت أكبر من قدرة الدولة على التحمل. الأصدقاء اليساريين دول وغيرهم لا يتذكروا كل ذلك هم فقط يخلقوا صورة خيالية تريح اعصابهم المضطربة بفعل الأزمة. كنا نجلس في أحد المطاعم العالمية التي نجحت مع غيرها في خلق ثقافة عالمية عابرة للقومية، هذه المطاعم هي الهدف الأسهل للهجوم اليساري الجديد، لانها من وجهة نظرهم البسيطة والمباشرة أحد أشكال الهيمنة والصورة المعاكسة للصورة الماضوية المتخيلة. لا يرى الأصدقاء في اليسار الأحمر الا صورة استعمارية شريرة لهذه المطاعم، فالافكار الدوجمائية الحادة عندهم لا ترى الدنيا الا بلونين فقط. واليسار الذي نراه الآن هو أحد تجليات الشعبوية القومية التي تريد مزيد من الانغلاق وترى التنوع الثقافي خطر وجودي فتعبر عن رفضها لكل مظاهر التنوع الثقافي العالمي الذي فتح عيون العالم كله على ثقافة إنسانية جامعة ومتنوعة و منفتحة. خلقت المطاعم الصينية ومطاعم السوشي الياباني ومحلات الفلافل العربية ومحلات الكباب التركية وكوستا الايطالية- الانجليزية و غيرها ثقافة عابرة وفوق قومية لن يحتفي بها كل الطبعات الانعزالية من اليسار والشعبوية الجديدة.
و بعيدا عن الكلاشيهات اليسارية، خلينا نفرق بين المرض والعرض، العرض هنا انخفاض الإنفاق الحكومي على ما يسمى بدولة الرفاه اللي بتصرف كتير على الأمان الإجتماعي للمواطنين في أوروبا وده كان اصل العقد الإجتماعي في أوروبا بعد الحرب، ديمقراطية ليبرالية، سوق مفتوح، انفاق اجتماعي لتوفير أكبر قدر من الأمان الإجتماعي والاقتصادي للمواطنين. وده اللي ممكن نسميه ال Atlantic bargaining او المقايضة الاطلنطية، لان أمريكا أدركت مع حلفائها الأوربيين ان القارة دي لن تتحمل بعد الحرب النموذج الأمريكي في اقتصاد السوق، فقبلت أمريكا ان يزيد الإنفاق الاجتماعي في مقابل تأمين أوروبا الغربية من الخطر الايدلوجي الشيوعي. الكلام ده اتغير بعد التفوق الصيني والاسيوي لان الصين ودول آسيوية تانية قدرت انها تنافس أوروبا وتتفوق عليها في السوق العالمي، ده حقق إخفاقات أوربية وانكماش اقتصادي بقى صعب معاه انك تقدم نفس مستوى الإنفاق الاجتماعي بنفس المعدلات. الصين ودول آسيا بتستخدم مزايا نسبية مش موجودة في أوروبا زي انخفاض الأجور وتكلفة الإنتاج بالمقارنة بأوروبا وأمريكا واستراليا مثلا، عرفوا يستفيدوا من العولمة انهم يجذبوا شركات أجنبية اكتر تستغل مزايا انخفاض تكلفة الإنتاج في آسيا، وكمان استفادوا انهم يفتحوا أسواق أكبر واكتر. طبعا وجود النموذج ده مع اضافة أزمات زي الهجرة والخوف من الأجانب وأزمة العامل الأوربي والأمريكي منخفض المهارة في منافسته مع المهاجرين او الصينيين حتى خلت الأزمة تكبر. حركة السترات الصفرا مثلا في جزء منها معادية للاجانب مثلا. الحكاية اظن لها أبعاد أكتر من مجرد الكلاشيه اليساري بتاع اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء.
تعليقات
إرسال تعليق