بحث هذه المدونة الإلكترونية
مكان لفهم أعمق للعالم، من منظور عربي عالمي. مدونة تسلط الضوء على تعقيدات العالم العربي في سياق عالمي.
المقالات الأحدث
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
لماذا تنتصر طالبان؟ تحليل ثقافي وسياسي لدور الحركة في أفغانستان
هل طالبان حركة تحرر وطني أم صنيعة غربية؟
تعتبر حركة طالبان واحدة من الحركات الدينية التي لا تعترف بفكرة الوطن، بناءً على عقيدتها القائمة على الوحدة العقائدية وليس القومية. لذا، فإن نعتها بأنها "حركة تحرر وطني" يعد أستخدام مصطلحات لغوية في غير محلها مثل وصف سفينة أنها تطير بسرعة عالية. كما أن طالبان هي حركة نشأت من بيئتها وليست صنيعة أي جهة خارجية، لذا فإن وصفها بأنها "صنيعة أمريكية" هو أمر يدعو لمزيد من السخرية.
طالبان كانت ولازالت وستظل خطرًا على الأمن العالمي لأنها تمثل نقطة تجميع للمؤمنين بأفكار مشابهة أو نموذج ملهم على أقل تقدير مما يجعلها خطر حقيقى لما تمثله أيدلوجياتها من عدائية ضد القيم المدنية. التصريحات الحالية التي تصفها بأنها حركة مختلفة وناضجة، بالمقارنة بالحركة التي أسقطتها الولايات المتحدة في 2001، هي مجرد تصريحات تكتيكية حتى تتمكن من السيطرة التامة.
لا يمكن وصف طالبان بأنها حركة وطنية بأي حال. لكن يمكن وصفها أنها حركة مزيج من السلفية والقبلية ظهرت من إحساس أغلبية السكان من عرقية الباشتون بالتهميش. كما تم وصفها أنها أيديولوجية مزيج من الشريعة الإسلامية المبتكرة المستندة إلى أصولية ديوبندية ( أو ما يمكن أن نطلق عليه السلفية الهندية التي حاربت التقاليد والروافد الثقافية غير الإسلامية ودعت لتطهير جنوب أسيا من هذه الروافد) والإسلاموية المتشددة، بالإضافة إلى المعايير الاجتماعية والثقافية البشتونية المعروفة باسم الباشتونوالي، حيث أن غالبية أعضاء طالبان هم من رجال قبائل البشتون.
أسباب انتصار طالبان
هذا السؤال يتردد منذ فترة، وقد قدمت العديد من الأسباب. في قناعتي الشخصية، هناك عدة أسباب منها فساد الحكومة وعدم الاستعداد القتالي لعناصر تقاتل بلا عقيدة قتالية محددة. لكن السبب الأهم لانتصار طالبان من وجهة نظري هو أنها تحمل أيديولوجيا واضحة تكسب تعاطف الأفغان وتتماشى مع الثقافة الأفغانية. بدون وجود أيديولوجيا بديلة تبني ثقافة بديلة، يبدو الوضع كابوسيًا في هذا البلد.
تأسست حركة طالبان عام 1994، وهي إحدى الفصائل البارزة في الحرب الأهلية الأفغانية. معظم أعضائها من الطلبة البشتون الذين تلقوا تعليمهم في مدارس إسلامية تقليدية وقاتلوا خلال الحرب السوفيتية الأفغانية. بقيادة الملا عمر، سيطرت الحركة على معظم أفغانستان، وحكمت أجزاء كبيرة منها، بما في ذلك العاصمة كابل، من 1996 حتى 2001، عندما أطيح بها بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان. خلال فترة حكمها، طبقت طالبان الشريعة الإسلامية بصرامة، ومنعت النساء من العمل والتعليم، وفرضت قيودًا على الأنشطة الإعلامية والثقافية. بعد سقوط كابل في 2021، استعادت طالبان السيطرة على أفغانستان.
لكن أزمة أفغانستان أكثر عمقا من الحركة حديثة العمر. فقد بدأت أزمات أفغانستان الحديثة قبل طالبان بزمن طويل. حيث حكم الملك محمد ظاهر شاه أفغانستان من 1933 ل 1973 بنمط يفصل بين المدن التي تبنت ثقافة منتفتحة والريف التقليدي المناوىء لأي تغيير.
حتى تم الإطاحة بظاهر شاه من قبل أبن عمه ورئيس وزراءه محمد داوود خان، الذي تمت الإطاحة بدوره وإعدامه هو وأفراد أسرته سنة 1978 بواسطة حزب ماركسي وهو حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني. وهنا جاءت الأزمة الكاشفة. أي محاولة لتطبيق تحديث بالقوة في مجتمع تقليدي مسلح ربما تؤدي لكارثة.
حاول الحزب تطبيق إصلاحات تحديثية بالقوة خاصة بالتعليم ورفع سن زواج البنات وتحديث الريف، إلا انه قوبل بثورة وتمرد من سكان الريف. بحلول صيف عام 1978، اندلعت ثورة في منطقة نورستان بشرق أفغانستان، مما أدى إلى انتشار الحرب الأهلية في جميع أنحاء البلاد.
في سبتمبر 1979، تولى نائب رئيس الوزراء، حفظ الله أمين، السلطة بعد حادث إطلاق نار في القصر أسفر عن مقتل رئيس الوزراء تاراكي. خلال شهرين من عدم الاستقرار، واجهت حكومة أمين تحديات كبيرة، حيث تحرك ضد معارضيه في الحزب ووقف في وجه الثورة المتزايدة في الريف والأقاليم وطالب بدعم سوفيتي.
فيما بعد تخلص السوفيت من أمين وتركوه لمصيره وتم إعدامه على يد اللجنة المركزية للحزب أو على يد عملاء سوفيت. أحتل الاتحاد السوفيتي أفغانستان سنة 1979 لتثبيت حكومة موالية لكن ظلت 80% من البلاد خارج السيطرة السوفيتية ورفضت أي محاولة للتعاون والتنسيق. بما جعل أفغانستان تبدو أنها محيط من الثقافة التقليدية مع جزر معزولة من محاولات التحديث غير المكتملة. ومن هنا ظهرت طالبان بعد انسحاب السوفيت استجابة للحالة الأفغانية وليست مفروضة عليها، بما يفسر انتصاراتها الثقافية قبل العسكرية
الثقافة الأفغانية والسلفية
السلفية بنسختها الأفغانية هي الثقافة المسيطرة على عقول الناس، ونتيجة لسنين من حرق البدائل الفكرية والثقافية، وجدت السلفية نفسها المنتصر الوحيد في أي معركة ثقافية ومن ثم عسكرية في أفغانستان. الأمن والجيش الأفغاني، الذين من المفترض أن يقاتلوا طالبان، يرون أن طالبان لديها الحق. أجهزة الدولة الأفغانية التي أسقطتها طالبان كانت مليئة بأشخاص متعاطفين مع أفكار طالبان.
المجتمع نفسه يعيد إنتاج أفكار طالبان ويحافظ عليها. طالبان صنعها المجتمع الأفغاني وليس العكس. وهذا هو حال أي بلد تنتشر فيه أفكار تقليدية في نسخة قبائلية ريفية بلا تنوع وبلا أفكار بديلة وبنسخة وحيدة فقط تراها الحق المقدس. لا يوجد انتصار للمدافع بدون انتصار الأفكار.
تأثير الثقافة السياسية
نحن نحب أن نضع إطار رومانسي للأمور ونطلق شعارات خيالية عن الشعوب، لأننا تعودنا على عدم انتقاد الثقافات أو الجموع أو الجماهير. لكن الحقيقة هي أن الثقافات تنتج السلوكيات السياسية في الشعوب.
طالبان تشبه الشعب الأفغاني وتشبه تفاعلاته الثقافية . ستبقى متمددة في البنى الثقافية التقاليدية حتى تنمو مراكز مقاومة من داخل أفغانستان ومن طبيعة ثقافتها بما يخلق فرصة للتخلص من كل أعراض الثقافة القبلية الأبوية السلفية المسيطرة على الوعي الجمعي. طالبان كانت تدخل المدن بدون مقاومة لأنها طرف منتصر ثقافيًا قبل أن تكون عسكريًا، والذين من المفترض أن يحاربوها أغلبهم متعاطفون معها.
التعليم والثقافة
على سبيل المثال حتى بعد السماح للبنات في أفغانستان بالتعليم، أغلب الشعب الأفغاني اختار ألا يعلمهن. ولو دخلن على الإنترنت لأي أمر تعليمي، يجب أن يدخلن بمحرم ذكر، لأن هذه هي الثقافة التي لديهم والتي صاغتها طالبان في قانون. طالبان رجعية لأنها بنت ثقافتها ولم تخترعها من العدم.
قاوم الشعب الأفغاني الإصلاحات التي هدفت لخفض سن الزواج ولتعليم البنات ولو بقوة الدولة وكل محاولات الحكومات فرض نمط تطوير مجتمعي بالقوة انتهت بحروب أهلية مستمرة. واستقرت أفغانستان فقط حين سمح له بممارسة ثقافة قامعة للتنوع والتعدد ومعادية لحقوق الأقليات والنساء.
حان الوقت لننتقد ثقافة الشعوب دون خوف من الشعارات المسبقة عن حكمة الشعوب، ونقر إن هناك ثقافات تنتج الأزمة كما يجب أن ندرك أن الثقافات تنتج السلوكيات السياسية في الشعوب، وأن طالبان هي نتاج الثقافة الأفغانية وليست العكس. يجب أن نكون صادقين في تقييمنا للأوضاع ونبتعد عن إعادة انتاج الحالة التهرب من مواجهة المشاكل والأزمات والكوارث الثقافية المتوطنة بإلقاء اللوم على قوى خارجية.
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
المشاركات الشائعة
إجابات معقدة عن اسئلة النصر والهزيمة في حرب حماس واسرائيل
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
أحمد الشرع: "الجولاني" الذي أعاد تشكيل الجهادية السلفية
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق