كنا من قبل قد قلنا ان المادة الرابعة من الدستور مادة ملغمة تنذر بتحويل مصر الى دولة دينية لا تقوم على فكرة ولاية الفقيه بالمعنى الأيراني ولكنها تخلق فكرة موازية او قريبة وهي فكرة استشارة الفقيه مما يعطى ترجيع ديني لرأي وخلاف سياسي في الأساس .. غير ان هذه الأفكار التبست على بعض الأصدقاء فلذا لزم التوضيح و نقول تاني للأصدقاء
الأعزاء حتى نوضح الرؤية ونحدد المفاهيم
1- استقر الرأي في العلوم
السياسية ان الحكم السياسي الرشيد يتحقق من خلال الدولة القومية الديمقراطية ,
اللي احنا بندلعها في مصر ونقول عليها (الدولة المدنية)
2- والدولة المدنية بتعريف
اجرائي بسيط هي : تلك الدولة التي تسن فيها التشريعات
والقوانين بأرادة بشرية غير مقدسة او جامدة، بحيث تكون هذه التشريعات قابلة للتطوير
والتغيير اذا اقتضت الحاجة، على ان تسن هذه التشريعات والقوانين برضا وقبول عام وتضمن
الحقوق الأساسية للمواطنين وتضمن المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بينهم.
3- اي ان في الدولة المدنية دولة تؤمن
ببشرية القوانين والمؤسسات(حيث لا ينبغي لأحد ان يحكم بأسم الحق الألهي او قانون الهي
ثابت وغير قابل للمناقشة او التطوير، والقانون المعترف به هو القانون البشري الذي يستمد
القيم العليا للأديان والأنسانية ولكنه يخضع دائما للفهم والجدل البشري وقابل دائما
للتطور اذا اقتضت الضرورة المجتمعية)
4- اي محاولة لأضفاء صفة القداسة على الجدل السياسي والقانوني هي محاولة تمنع المناقشة
والتطوير وتفرض قوانين ثابتة لا تتعدل وتعطي قداسة دينية لرأي سياسي مما يخلق ما
نسميه بالدولة الثيوقراطية وهي الدولة
التي تفرض فيها القوانين ويفسر فيها الحكم بطريقة ترجع للنصوص المقدسة وليس ارادة
الناس, فما يقوله الفقيه لا يعتبر رأي سياسي قابل للأتفاق والأختلاف بل هو رأي ديني
لا يقبل المراجعة ولا يتحمل النقد نظرا لطبيعة الدين المقدسة. واصل الأستبداد يحدث
حينما يقول احدهم ان رأي يمثل الحقيقة المطلقة ويمثل الحق والدين فيتحول رأي غيره
بالتبعية الى الباطل او الخيانة او الكفر .. فتتجمد المجتمعات وتتراجع الأمم لأنها
لم تطلق المنافسة بين الأفكار والرؤى وهي الخطوة الأولى لأي تطور.
5- كل الأديان بلا استثناء لم تتدخل في التفاصيل الدقيقة للسياسة والأقتصاد بل
جاءت بمبادىء عامة لضبط المعايير والقيم الأساسية وتركت الباقي للعقل البشري ولتطور
الظروف والمجتمعات التي هي متغيرة بطبيعيتها ولا يمكن قولبتها بنصوص ثابتة وهذا من
عبقرية الدين وقدرتها على الأنتشار في كل زمان ومكان. فلو كان قولب نفسه في قالب
معين لما قدر على الأنتشار في كل زمان ومكان.
6- كل تجارب النجاح في الدول الأسلامية من اندونسيا الى ماليزيا الى تركيا
قامت على فكرة المؤسسات المدنية القوية وليس المؤسسات الدينية القوية.. يعني احنا
لا نخترع العجلة حين نقول ان الديمقراطية القائمة على ارادة الأمة والمراجعة
القضائية هي وحدها القادرة على تحقيق الحكم الرشيد في اي دولة بما فيها الدول
الأسلامية. فالأصل في الدول الديمقراطية ان لا سلطة تعلو ارادة الأمة ولا مؤسسات
غير منتخبة اعلى من المؤسسات المنتخبة من الناس.
7- تجارب الفشل والقمع كلها في الدول الأسلامية من ايران للسعودية قائمة على
فكرة الدولة الدينية او ولاية الفقيه او الحكم الديني المستبد وهذا ليس انتقاص من
الدين ولكن سؤ فهم للدين. فالتراث الأسلامي مليء بتجارب الحكم الرشيد القائمة على
محاسبة الحاكم والحكم الرشيد ولا تقديس لرأي بشري.
8-
الأمة مصدر السلطات والفكرة التي يطرحها اصدقائنا من
الأسلاميين ان "الأمة مصدر السلطة مالم تفعل كذا او كذا "هو مجرد قيد
شكلي فالأمم تصنع النصوص ولا تصنع النصوص الأمم, فلو قررت امة ما الا تلتزم بنص ما
فلا قوة تستطيع منعها الا ضميرها الجمعي, فأذا تغير هذا الضمير الجمعي فلن يسترجعه
نص في دستور ولا قانون.
9-
تعليقات
إرسال تعليق