التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المقالات الأحدث

حزب الله... صمت بين خطأ التقدير واستنزاف القدرات

استمرار القصف الإسرائيلي للجنوب اللبناني بما فيها قصف اليوم العنيف على مناطق علي الطاهر ومرتفعات كفرتبنيت والنبطية الفوقا وجبل شقيف، رغم مرور أشهر على وقف إطلاق النار، يكشف عن واحدة من أكثر اللحظات التباسًا في مسار حزب الله منذ تأسيسه. الصمت الذي يلف الحزب ليس مجرّد خيار تكتيكي، بل لغز استراتيجي يدفع لتحليل أسبابه على مستويين: هل يراهن الحزب على أن "الكمون" سيقابل بكمون إسرائيلي؟ أم أن ما نراه هو نتيجة حقيقية لتصفية قدرات الردع، وتحول الحزب فعليًا إلى كيس ملاكمة في ساحة مفتوحة؟ أولًا: كمين التقدير الخاطئ السيناريو الأول يُفترض أن الحزب اختار التهدئة عن وعي، ظنًا منه أن امتصاص الضربات سيكبح شهية إسرائيل، وأنه كلما تراجع خطوة، هدأت النار المقابلة. لكن هذا الرهان على "عقلانية" الخصم يبدو حتى الآن خاسرًا. إسرائيل تقرأ الكمون كضعف، وتستثمر فيه بكل ما لديها من طيران واستطلاع وذخيرة دقيقة. من مارس إلى يونيو، نفذت أكثر من 900 ضربة، بعضها طال مواقع مفترضة لتخزين طائرات درون تحت الأرض، وأخرى استهدفت طرق الإمداد وصواريخ نوعية كان الحزب يحاول إخفاءها. ببساطة، إسرائيل لا تقرأ ا...

ولماذا لا ننتج الكاوتشوك




وكيف تزعم أيها الدكتور أن بعض العلماء أثار هذا الأمر، أمر كفرك وها أنا ذا أصرّح لك والتبعة فى ذلك علىّ وحدى، بأن العلماء أجمعين وعلى بكرة أبيهم يحكمون عليك بالكفر.. وبالكفر الصريح الذى لا تأويل فيه" 
الشيخ عبد ربه مفتاح، أحد علماء الأزهر، مخاطبًا طه حسين فى مقال له نشرته مجلة «الكواكب»..
لماذا لا تنتجوا الكاوتشوك؟
   "الحرب الحقيقية في إن جامعاتنا الآن أكثر من قرن من الزمان فيها الهندسه والطب والزراعة والطيران ،،، وحتى الآن مش قادرين نصنع كاوتش سيارة لا أحدثك عن السيارات لا أحدثك عن الأسلحة التي تباع لنا ليقتل بعضنا بعض نحن ياسيدي الفاضل بنشتري الموت بفلوسنا" من رد شيخ الأزهر على رئيس جامعة القاهرة. 
لا تنمو الأعشاب على أرض صخرية ولا يمكن أن ننتج علما متقدما ونحن نحتقر التفكير النقدي ونطارد الاختلاف. الفكرة الشائعة عندنا ان أوروبا طورت نهضة على اساس معادلات رياضية وصيغ كيميائية. فالوصول للنتائج المريحة والسهلة مغري للعقل البسيط. الامور تبدو بسيطة، نكتفي بإنشاء مصانع الكاوتشوك ومعامل الكيميا ومختبرات الفيزيا وسوف يسير كل شيء على ما يرام، لكن ولسؤ الحظ، الامور في الواقع أكثر تعقيدا، فالتقدم العلمي نتيجة وليس اساس وانعكاس لبنية فلسفية تحتية تشجع على التفكير النقدي والجدل الصحي بين الأفكار. لكي ننتج الكاوتشوك علينا اولا ان ننتج أفكار حرة دون أن يطاردنا أحد قائلا ارفعوا أيديكم عن التراث. 
يثير شيخ الأزهر انطباعات متناقضة، فالرجل حقا يثير الإعجاب خاصة انه جزء من دولة يتسابق كل رجالها في إظهار كامل الولاء وكامل التطابق وكامل التماهي مع عبارات وأفكار ومشاريع ورؤى الرئيس، أحلام الرئيس وكلماته تخطط لأحلام وكلمات من حوله إلى حد التطابق، إلا الشيخ الجنوبي ابن الصعيد والحاصل على الدكتوراه من السوربون، فالرجل يظهر مواقف مستقلة تظهره كمن يقول "لا في وجه من قالوا نعم" وهي صورة يعشقها المصريون ويعتبروها أيقونة لابطالهم الشعبيين وكثير منهم  شيوخ معممين كانت لهم مواقف معارضة للسلطة. لكنك لا يمكن أن تتفق دوما مع كل من يثيروا اعجابك. فالشيخ يدافع عن سلطان مؤسسته بأدوات وعبارات شعبية تماما مثل اننا لا ننتج كاوتش السيارة، و يتحكم فينا مجموعة من الأشرار يسيطروا على أفكارنا ويجعلونا نقتل بعضنا البعض  ليبيعوا  لنا السلاح. وهي عبارات في غاية الشعبية في بيئة تستسهل لعب دور الضحية، لأن التفكير في مسؤليتنا عما نحن فيه مرهق ومتعب وربما مقلق لكل من صنع هذا الواقع. وجزء من هذا الواقع المعركة حول تفسير التراث. يقول الشيخ ان الازمة في السياسة لا في التراث لكن لا يفسر لنا كيف ان جزء من هذا التراث ينتج أفكارحول مفاهيم الحاكمية الالهية، حيث يكون التشريع،  محصور على تفسير رجال الدين الثابت للنص – وهي تفسيرات متعارضة وفي أحيان كثيرة يدعي كل تفسير منهم ان الاخر على ضلال مثلما يتبادل الأزهر والسلفية الجهادية الاتهامات- .  هذا تيار كبير وسبب أزمة ضخمة في المجتمعات الإسلامية، وهو أحد أهم أسباب الاستبداد السياسي سواء كان في الحكم لانه يحكم بقوانين غير قابلة للاختلاف حولها او مناقشتها، أو في المعارضة لانه يتحول  لحجة المستبد في استبداده. 
يدعي الامام ان هذا التراث قد عشنا به وبقوانين مقدسة غير قابلة للمراجعة والجدل قبل الحملة الفرنسية وكفى ووفى. لكن ما لا ينتبه له الشيخ ان ذلك ليس معجزة تستحق الفخر.  ان نعيش فهذه ليست المعجزة في حد ذاتها فقد كان الناس قبل الحملة الفرنسية على مصر ايضا يعيشوا في أفريقيا و كانوا يعيشوا في الهند و كانوا يعيشوا  في الصين وأيضا كانوا يعيشوا في أوروبا ، الخبر ليس انهم كانوا يعيشوا لكن كيف  كانوا يعيشوا وحجم ما راكموا من قوة ومعرفة وقدرة ورخاء. 
" التجديد صناعة دقيقة، لا يحسنها إلَّا الراسخون في العلم، وعلى غير المؤهَّلينَ تجنُّب الخوض فيه حتى لا يتحوَّل التجديدُ إلى تبديد." من البيان الختامي لمؤتمر الازهر حول التجديد الإسلامي. يدافع الشيخ عن الحقوق الحصرية لمؤسسته دون أن ينازعهم في هذا الحق أحد. نحن فقط من يفسر النص، ويتفاعل مع التراث ويحتكر حق التفكير فيه و حوله.. هل حقا لا كهنوت في الإسلام؟ 
مفارقة غريبة ان الناس على الجانب الآخر  حينما بدأوا  عصور نهضتهم بدأوها بهذه المناقشة، هل من حقنا أن نفكر ونختار لضمائرنا دون أن يختار لنا رجال الدين والمؤسسة الرسمية التي تتحدث بأسم الدين؟ هل التفكير فيما يخصضمير الإنسان علم متخصص ام تجربة فردية؟ 
يخلط رجال التراث عن عمد بين تدقيق النصوص والتفسيرات البشرية كبحث علمي وبين قدسية أفكارها كاختيارات ضميرية.ربما يكون تدقيق النصوص التاريخية التي انتجتها البشرية على مر العصور وفحص دقة نسبها لأصحابها  دراسة متخصصة،  لكن هل ضرورة تبني ما فيها من أفكار ورؤى أيضا يحتاج إلى متخصص يقول لنا اعتنقوا هذه الرؤية لمجرد اننا اثبتنا نسبها التاريخي..نعم تدقيق كتاب الموتى في مصر القديمة وقراءة نصوصه يحتاج إلى متخصص، لكن قطعا ان اعتنق ما فيه لتفسير رؤية العالم فهذه أمور ترجع للفرد لا للمتخصص. العقيدة ليست علم بل هي اختيار ضميري، والبحث ليس حق حصري لمنهج دون باقي المناهج. هذا الخلط مسيء للعلم وللعقيدة وللضميرأيضا وفي الغالب سيخصم من رصيدنا الحضاري ويمنعنا من إنتاج المزيد من الكاوتشوك. 

تعليقات

المشاركات الشائعة