عصر النهضة : هل هو صدفة أم ضرورة؟
في عصر النهضة الإيطالية وما بعدها، كانت هناك قضية تشغل الناس في إيطاليا وهي: هل من الممكن أن يظهر كل هؤلاء العباقرة في الفنون في عصر واحد؟ دافنشي، مايكل أنجلو، ساندرو بوتشيللي، مازاتشو، وغيرهم، جميعهم تقريبًا ظهروا في فترة زمنية واحدة أو في غضون 100 عام بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر. كان الناس يقولون إن هذا بالتأكيد عصر عبقري لأن العباقرة ظهروا معًا.
الموسيقى الكلاسيكية والفلسفة: عباقرة جدد في عصور مختلفة
عندما انتشرت الموسيقى الكلاسيكية وظهر بيتهوفن، أماديوس موزارت، باخ، شوبان، وغيرهم بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكذلك الحال في الفلسفة والعلم، قالوا إن الموضوع ليس صدفة أو عبقرية عصر، بل هناك شيء آخر.
تأثير الظروف السياسية والاجتماعية على ظهور العباقرة
كل عصر يحتوي على نفس القدر من العباقرة، لكن هناك عصور تكون فيها الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية مهيأة لاختيار الأفضل، فتظهر العبقرية بسهولة أكبر وتكون الظروف مهيأة لاكتشاف العبقري ودعمه. وفي ظروف أخرى، يحدث العكس، حيث يتم اختيار عكسي يجعل الناس لا يرون العبقرية ولا يقدرون العباقرة، بل في كثير من الأحيان يسخرون منهم ويهملونهم، فينزوون ولا يتم تقديرهم وتُهدر العبقرية.
عصر النهضة الأوربي الثروة واشياء أخرى
التدفق الرأسمالي الذي جعل الأسر الإيطالية تتباهى بدعم الفنانين، والظرف السياسي الذي خلق طبقة ترغب في التباهي بالموسيقى في القرنين السابع عشر والثامن عشر، والجدل المجتمعي بين القديم والجديد والكنيسة والقوى العلمانية في الفلسفة، سمح بالانتخاب الطبيعي للأفضل.
عصر نهضة ناطق بالعربية!
في عصرنا الحالي، الجميع يشتكي من ضعف المحتوى العربي على وسائل التواصل الاجتماعي ويشتكي من أننا نصنع تريندات من مواضيع تافهة. عندما تحلل الأمر، تجد أن الناس هم من يختارون التريند أو المنشور الناجح. فالمواضيع التي تتحدث عن جلب الحبيب، ودوا الطبيب، وشكوى الزمن، وغدر الأصدقاء هي التي تحصل على أعلى تفاعل أو (ريتش)، بينما المواضيع التي تتحدث عن نظرة فلسفية أعمق أو تحليل سياسي أوسع، أو رؤية موضوعية، لا تحصل على تفاعل أو ريتش.
ثقافة سياسية تمنع التفكير النقدي
هناك أشخاص اعتبروا أشخاصًا محدودي الكفاءة قادة لهم في حراك ثوري كبير، وأشخاص كانوا يهاجمون أي رؤية موضوعية لتطوير الأفكار، وكمية سخرية لا تنتهي من كل الخطابات النقدية الجادة، واحتفاء مبالغ به بنجوم يصنعون نجوميتهم من نفاق قيم عدوانية أو قديمة أو رجعية.
الكتابة التبريرية أمام الكتابة النقدية
على المستوى السياسي، تتعمد السلطة تلميع وتقريب ما يمكن أن نسميه بالكتابة التبريرية أمام الكتابة النقدية. أقرأ لأشخاص يكتبون بانتظام في دوريات كانت لها شأن في العلوم السياسية والأمن (مجال تخصصي)، ولا أجد علمًا أو رؤية نقدية، بل أجد بوضوح كتابات إنشائية تبريرية للمشاركة في البروباجندا لا تطوير العلم. ربما يكون لدى هؤلاء الأشخاص أفكار ورؤية أعمق، لكن بكثرة ترديد البروباجندا ينسون قواعد العلم ويوظفون مصطلحات علمية من أدبيات العلم ذاته لخدمة البروباجندا. لذلك ينزوي دور العبقري ويظهر دور التبريري الذي ينافق إما السلطة أو المجتمع.
الخلاصة: دور المجتمع والنظام السياسي في ظهور العباقرة
كل عصر ينتج نفس العدد من العباقرة، لكن المجتمع والنظام السياسي إما يخدم ظهورهم أو يتواطأ على إسكاتهم ومنع ظهورهم. هناك عصور ومجتمغات تخلق حالة انتخاب طبيعي لتصعيد الأفضل والأجمل والاقوى وهناك عصور الانتخاب فيها عكسي والاختيار ينتقي الاسوا والبقاء للأكثر رداءة
تعليقات
إرسال تعليق