حسن نصر الله، زعيم
حزب الله اللبناني، ترك بصمة متناقضة في التاريخ الحديث. من مقاومة الاحتلال
الإسرائيلي إلى الأزمات الداخلية والحروب الإقليمية، انتهت حياته وسط نيران حرب
أخيرة شهدت استخدام قنابل خارقة للتحصينات تحت الأرض. في هذا المقال، نستعرض أهم
محطات حياته وتأثيرها على لبنان والمنطقة.
حسن نصر الله: زعيم
حزب الله ومسيرته من المقاومة إلى الجدل
أنتهت مسيرة حسن نصر
الله، زعيم حزب الله اللبناني،في ليلة 27 سبتمبر/ أيلول، وسقط على خطوط
النار التي خلفتها حربه الأخيرة. خلف الرجل مشاعر متناقضة بقدر ما كان هو شخصيا
متناقض في حياته ومسيرته. فقد الرجل، عن علم منه، أغلب شعبيته التي صنعها في
حروبه مع إسرائيل، لكن كان موته أيضا حدث حزين حقق لإسرائيل انتصار معنوي
حاسم استخدمت فيه إسرائيل حوالي 85
قنبلة خارقة للتحصينات المعدة تحت الأرض في بنايات ضاحية بيروت الجنوبية معقل حزب
الله وخزانه البشري الأكبر.
بدأ نصر الله حياته
تحت السلاح وكرس هذه الحياة في جزئها الأكبر لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي
لبلده لكن كانت أزمته أنها كانت مقاومة موالية لإيران أكثر من ولائها للبنان.
من أسرة شيعية بسيطة
خرج نصر الله ليدرس التشيع في العراق وفي قم بإيران ومن هناك تشكل أساسه العقائدي
وصداقته بعباس موسوي وشبكة ولاءاته لفقهاء إيران. وهنا بدأ يتشكل تناقضه الأول.
صعد نصر الله لواجهة المشهد بعد اغتيال سلفه وصديقه عباس موسوي وانتخابه في 1992 أمينا
عاما لحزب الله.
أثبت نصر
الله أنه مخلص تماما لقناعاته حين قدم ابنه الأكبر هادي للمقاومة، والذي سقط في
عام 1997 خلال مواجهة مع إٍسرائيل بإقليم التفاح جنوب
لبنان. وهنا بدأت تتشكل ملامح أسطورة حسن نصر الله.. لكن كانت في
انتظر حدث كبير لتكتمل..
وجاء الحدث الكبير في
عام 2000 بانسحاب إٍسرائيلي أحادي الجانب دون تفاوض من جنوب لبنان منهيا احتلال
عسكري دام ما يقارب العقدين. استثمر حسن نصر الله وحزبه في الحدث وتحول الحزب إلى
الرقم الكبير في المعادلة اللبنانية إلى أن جاء السقوط الكبير الأول.
احترس... السلاح يتجه
للداخل
وفي 14 فبراير/شباط
كانت بداية دراماتيكية لتحول سلاح الحزب تحت قيادة نصر للداخل اللبناني. حيث انفجر
ما يعادل
1000 كيلوجرام من TNT في
موكب رفيق الحريري مما أدى لمقتله هو ومرافقيه. بعدها شهد لبنان سلسلة من
التفجيرات والاغتيالات المنسقة التي استهدفت شخصيات معارضة للوجود السوري. كما تم
استهداف محققين كانوا يحققون في الاغتيال. أثبتت التحقيقات تورط
عناصر من حزب الله في الجريمة. تلوث ثوب المقاومة الناصع بدم الخصوم
السياسيين. وكان لابد من لحظة توهج أخرى لتعيد للحزب صورته.
حرب 2006: لحظة
مفصلية
وجاءت لحظة التوهج في
حرب 2006 اندلعت الحرب بين حزب الله وإسرائيل وظهرت قوة الحزب العسكرية وقدرته على
الصمود أمام أقوى جيوش المنطقة تسليحا وقدرة تدميرية. لم يصمد فقط ولكنه
أستطاع أن يخلق معادلة ردع منعت إسرائيل من استباحة لبنان لفترة طويلة بعد أن رفع
الحزب شعار "العمق بالعمق" و"المدن بالمدن". وصلت صواريخ
الحزب لأول مرة للعمق الإسرائيلي وإلى تل أبيب. مما خلق توازن للرعب بين الأطراف
وأحجمت إسرائيل عن التصعيد لقناعاتها أن أي فعل سيواجه برد فعل ربما لا تحب أن
تدفع ثمنه.
لكن مرة أخرى أغرت
القوة نصر الله باستخدامها واجتاح بيروت في 2008 حين اتهم
نصر الله الحكومة بشن حرب على حزبه بسبب محاولتها حظر شبكة الاتصالات
الداخلية للحزب. عقب ذلك، اندلعت اشتباكات بين حزب الله وخصومه استمرت لمدة
أربعة أيام، تمكنت خلالها قوات الحزب من السيطرة على نصف بيروت. أمعن الحزب في
إهانة الدولة..القوة مفسدة!
حزب الله بعد الحرب
السورية: خسارة الشعبية وتفاقم الأزمات
الخطيئة الكبرى
شارك الحزب
بداية من 2012 في الصراع السوري وارتكب ، وفقا
لتقارير، جرائم حرب . أطلق الحزب النار على قدمه بتلك المشاركة. أفقدت المشاركة
في سوريا حزب الله صورته عربيا كحزب مقاوم وزادت من خصومه وأضعفت مركزه
السياسي والعسكري في لبنان نفسه.
تدهورت شعبية الحزب
بعد تحوله لألة قمع داخلي للبنانين وذلك بعد تفجير مرفأ بيروت التي طالت أصابع
الاتهام فيها الحزب بسبب الإهمال وسوء تخزين مواد متفجرة. عرقل الحزب
التحقيق وأرسل مسؤول
بارز فيه تحذيرًا إلى قاضي التحقيق، طارق البيطار، مشيرًا إلى أن الجماعة
"ستقتلعُه". وتحولت مظاهرات دعا إليها حزب الله إلى مواجهات
عنيفة. مرة أخرى سال الدم اللبناني.
استكمل الحزب ورئيسه
حسن نصر الله رحلة إطلاق الرصاص على أقدامهم ولم يفطنوا أو لم يكترثوا انهم يخسرون
حواضن شعبية بعد قمع عناصر من الحزب فاعليات الاحتجاجية 2019-2021 احتجاجا على سوأ
الأحوال الاقتصادية والحكومات الطائفية. اعتدى أنصار
الحزب على المتظاهرين واستكمل الحزب معاناته مع أزمة غرور القوة التي تلبسته
استنادا لقوته العسكرية التي بدأت ضد إسرائيل، ولكنها ضلت طريقها. زاد خصوم الحزب
مما جعل استهدافه أسهل.
حرب نصرالله
الأخيرة.. القراءة الخطأ لمشهد متغير
دخل الحزب الحرب بين
إسرائيل وغزة كجبهة إسناد، لكن سرعان ما تحول إلى الجبهة الأساسية. ظهرت أزمة
الحزب أنه دخل الحرب بذكريات انتصاره السياسي في 2006 دون أن يعلم أن مياه
كثيرة قد جرت في النهر . توقف الحزب عند لحظة 2006 وكانت إسرائيل وحلفائها
في لحظة أكثر تقدما..
تطورت التقنيات وحققت
إسرائيل اختراقين نوعيين على المستوى التكنولوجي..
الاختراق الأول
كان الأول بتطوير
الحرب السيبرانية بعد تفجير أجهزة الاتصال الأساسية للحزب وقتل وجرح عدد من عناصره
على يومين في 18، 19 سبتمبر/أيلول، مما أضر بشبكة اتصالات الحزب وبروحه المعنوية
في توقيت حساس..
الاختراق الثاني
أما الاختراق الثاني
فهو تكنولوجيا القنابل الخارقة للتحصينات BLU
109 والتي زودت بها
الولايات المتحدة إسرائيل لتستخدمها في استهداف تحصينات غرف القيادة والسيطرة تحت
الأرض.. وهي القنابل التي استخدمتها لاغتيال قادة الحزب بما فيهم نصرالله نفسه.
أساء الحزب قراءة
المشهد وقراءة وضعه الداخلي والبيئة المحيطة، فقد كان يحارب هذه المرة في بيئة غير
موالية تماما وغير صديقة تماما بعد استعداء جزء كبير منها مما سهل من مهمة اختراقه
مخابراتيا بما في ذلك تحركات زعيمه حسن نصر الله التي كانت تتمتع بقدر عالي من السرية،
بشكل فاجأ قادة الحزب أنفسهم. مما خلق وضع مواتي لمزيد من الاستهداف. فإسرائيل
التي بدأت الحرب في الشمال بهدف فصل حزب الله عن غزة، انتشت برائحة الدم مما شجعها
على الاستثمار في نجاحاتها التي لم تكن تتوقعها.
حسن نصر الله: نهاية
ملحمية ولكن!!
أنهى حسن نصر الله
حربه الطويلة مع إسرائيل ومات في غرفة عملياته بعد اختراق أمني رصد تحركاته. ترك
الرجل مشاعر متناقضة مثل تناقضاته تماما. فالرجل بدأ حياته وهو تحت السلاح، وأنهى
حياته وهو لم يتطهر بعد من الدم السوري ولم يتطهر بعد من تحويل حزبه لآلة قمع داخلي
وآلة قتل طائفي في سوريا..
لكنه في النهاية
آمن بما عاش من أجله ومات أيضا من أجله.. موت كان سيكون شريفا جدا وملحميا
جدا وبطوليا جدا لولا دماء سوريا وقمع لبنان والولاء الكامل لفقيه إيران يا حسن.
لكن ربما كان ترتيب القدر أن تتطهر بعض الشيء بموت وانت تحت السلاح، تماما، كما
بدأت.
تعليقات
إرسال تعليق