بحث هذه المدونة الإلكترونية
مكان لفهم أعمق للعالم، من منظور عربي عالمي. مدونة تسلط الضوء على تعقيدات العالم العربي في سياق عالمي.
المقالات الأحدث
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
ترامب وغزة: بين تكتيكات السوق وأوهام السيطرة السياسية
ما وراء خطة ترامب: الاقتصاد في خدمة الهيمنة
لطالما عُرف ترامب بنقل أدوات السوق إلى عالم السياسة، حيث يتعامل مع الملفات الدولية كما يتعامل رجل أعمال مع صفقة عقارية أو استثمارية. لكن خطة تحويل غزة إلى منتجع سياحي أو مركز اقتصادي تبدو أكثر من مجرد فكرة عابرة. هي محاولة لترسيخ السيطرة الأمريكية عبر إعادة تعريف أدوار الأطراف الإقليمية، بدءًا بمصر والأردن وحتى إسرائيل. وخلق عالم موازي يخلو من فقراء غزة ورغبتهم في المقاومة ومليء بالأغنياء والأبراج وعربات الجولف على دماء الناس ومقابرهم. أو بحسب تعبير الجارديان البريطانية: " في عالم ترامب في غزة، متنزه ترفيهي خيالي مليء بأبراج ترامب وملاعب الغولف الخاصة به والروبوتات"
الربط بين تصريحات ترامب والمشاريع العقارية الكبرى ليس جديدًا. سبق أن استغل نفوذه السياسي لتعزيز مصالحه التجارية. فقد استفاد ترامب من اتفاقاته السياسية لصالح مشاريعه ومشاريع صهره جاريد كوتشنر الذي لعب دورًا رئيسيًا في إخراج مشهد الاتفاقات الإبراهيمية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية خلال ولاية ترامب الأولى. وقد نجح بالفعل في إتمام أول صفقة استثمارية بقيمة 110 مليون دولار مع شركة إسرائيلية، بالتعاون مع صناديق الثروة السيادية في السعودية وقطر، في ولاية ترامب الأولى. مما فتح شهية الرجل وصهره على فكرة أن كل شيء قابل للبيع والشراء ان لم يكن بالمال فبالدم والنار.
تصريحات ترامب ليست مجرد "ألعاب تفاوضية"، بل تشكل وقودًا لليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يرى في غزة تهديدًا يجب التخلص منه. في ظل حكومة يقودها بنيامين نتنياهو وشركاء من حلف المستوطنين، يصبح أي حديث عن "حلول نهائية" مرتبطًا بتصورات عنصرية وتوسعية خطيرة. تبدو تصريحات ترامب كمن يحقن كلب مصاب بداء السعار بحقنة هياج ، أو مثل أن تضع إنسانًا نازفا بالقرب من سمكة قرش جائعة قد استنشقت رائحة الدم. نعم، هناك فرصة لإنقاذ الإنسان، لكن هناك أيضًا خطر كبير في أن تتحول الأمور بسرعة نحو كارثة تهدد حياته. أما ترامب، فإنه لا يقتصر على مجرد إثارة غريزة القرش، بل يُغذيها، ويُشعل خيالها، ويُعطيها الأدوات لتقضي على ضحاياها.
خطة ترامب والاستراتيجية الأمنية الإقليمية
تشكل تصريحات ترامب بشأن "الاستيلاء على غزة" تحولًا خطيرًا في الديناميات الأمنية والجيوبوليتيكية لمنطقة الشرق الأوسط، حيث إنها لا تأتي بمعزل عن السياقات الاستراتيجية الأوسع التي تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى فرضها. هذه الخطة يمكن قراءتها في إطار إعادة صياغة الأدوار الأمنية والعسكرية للدول المحيطة بغزة، بما في ذلك مصر والأردن، ودفع المنطقة نحو تحالفات جديدة قد تعيد رسم الخرائط الأمنية.
1. غزة كمحور أزمة أمنية: تفكيك المقاومة وإعادة هيكلة القطاع
من الناحية الأمنية، يشير تحويل غزة إلى "مشروع اقتصادي" إلى محاولة تفكيك البيئة التي تشكلت فيها المقاومة الفلسطينية. هذا التحول ليس مجرد استراتيجية اقتصادية بل تكتيك أمني يستهدف نزع أي قدرة على استمرار المقاومة المسلحة عبر تدمير البنى التحتية وتفريغ القطاع من سكانه أو تقويض استقراره الاجتماعي والاقتصادي.
الخطة مصاحبة بضغوط اسرائيلية تهدف إلأى
- استهداف البنية التحتية الأمنية: الهجمات المكثفة على مواقع حيوية في غزة تسعى إلى خلق "مساحة آمنة" للنفوذ الإسرائيلي وتقويض قدرات الفلسطينيين على المقاومة.
- تصعيد الحصار الأمني والاقتصادي المستدام: مواصلة استخدام الحصار كوسيلة لضبط التحركات السكانية وتعزيز المراقبة. وكذلك تقويض الفرص الأقتصادية اللازمة للعيش في غزة.
- استهداف البنى التحتية والخدمات: ركزت إٍسرائيل الخدمات الصحية والبنى التحتية مثل الطرق والكهرباء والمياه والإسكان والخدمات الصحية.. الهدف جعل القطاع منطقة طاردة للسكان.
2. الدور الإسرائيلي: من الدفاع إلى الهجوم الاستراتيجي
تأتي تصريحات ترامب في ظل تصاعد الخطاب الأمني الإسرائيلي الذي تحول من السعي لجعل غزة منطقة منزوعة السلاح إلى الرغبة في تحويلها إلى منطقة "منزوعة السكان" . هذا التوجه ينسجم مع استراتيجية طويلة الأمد لليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يرى في القطاع "تهديدًا أمنيًا يجب التخلص منه." وشجعت تصريحات ترامب هذه الروح وحولت الخيال إلى استراتيجية قابلة للتحقيق يتم مراجعتها من وزير الدفاع الإسرائيلي الذي أصدر أوامره للجيش لدراسة تحويل خيالات اليمين الأمريكي والإسرائيلي إلى خطط واقعية. كما تهدف إسرائيل لاستئناف الحرب كجزء من هذه الخطة على ان تقلل من السيطرة المباشرة وتعزيز السيطرة الغير مباشرة عن طريق الأتي:
- التكتيكات الهجومية المتقدمة: الاعتماد المتزايد على التقنيات العسكرية الحديثة مثل الطائرات المسيّرة والذكاء الاصطناعي لتعزيز الهيمنة الأمنية.
- بناء قواعد أمنية جديدة: سعي إسرائيل لإقامة مناطق أمنية عازلة داخل أو على حدود القطاع.
3. التحولات الجيوسياسية: إعادة صياغة التحالفات
التأثير الجيوسياسي لتصريحات ترامب يتجاوز غزة ليشمل إعادة ترتيب الأدوار الأمنية في المنطقة.
مصر والأردن: الضغوط على القاهرة وعمان لاستيعاب الفلسطينيين حال نجاح خطة طرج الفلسطينيين. وهو ما يحول البلدين إلى ساحات مواجهة جديدة ويقوض شرعية النظم السياسية في البلدين لما تلعبه القضية الفلسطينية كأحد مصادر تشكيل الشرعية السياسية في البلاد العربية مما يضع ضغوط أكبر على البلدين في ضبط الأوضاع الأمنية والسيطرة على تدفقات السكان.
دول الخليج: تعزيز التحالفات الاقتصادية والأمنية مع دول خليجية تسعى إلى الاستثمار في مشروعات إعادة الإعمار في غزة بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
4. المخاطر الأمنية الإقليمية: تصعيد محتمل
تلقت مؤسسات الدولة في الولايات المتحدة نفسها الاقتراح بتحفظ، وصدرت عدة محاولات لتجميله أو تخفيف وطئته لما له من أثار يمكن أن تفجر المشهد الأمني في المنطقة. فأي محاولة لإعادة هندسة المشهد السياسي والأمني لغزة لن تمر دون مقاومة مما ينذر بتحديات أمنية تتمثل في:
- تصاعد العمليات المسلحة: من المتوقع أن تدفع هذه الخطة الفصائل الفلسطينية إلى تعزيز عملياتها لا تقويضها. كما ينذر بتسرب الغضب لما وراء الأراضي الفلسطينية وبين الشعوب العربية التي تنظر لقضية فلسطين كقضية مركزية.
- زعزعة الاستقرار الإقليمي: قد يمتد تأثير هذا التصعيد إلى مناطق أخرى مثل الضفة الغربية واعادة ترميم محور المقاومة.
- زيادة المخاطر الأمنية عالميًا: قد يؤدي تنفيذ هذه الخطة إلى تعميق الشعور بالمظلومية. هذا الاحساس المتصاعد قد يتحول إلى غضب عارم، خاصة إذا ما تم تفسير هذه الخطوة على أنها إجحاف جديد بحقوق الفلسطينيين أو تكرار لـ"نكبة" جديدة. مثل هذا السيناريو قد يغذي التطرف ويدفع نحو زيادة العمليات الاحتجاجية أو حتى العنيفة في مناطق مختلفة من العالم، مما يهدد الأمن الدولي ويخلق بيئة خصبة لتصاعد الخطابات المتشددة وتجنيد الأفراد في صفوف الجماعات الراديكالية. وبالتالي، فإن تداعيات هذه الخطة قد لا تقتصر على المنطقة فحسب، بل قد تمتد لتشكل تحديًا أمنيًا عالميًا يتطلب تعاونًا دوليًا لاحتواء آثاره.
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
المشاركات الشائعة
إجابات معقدة عن اسئلة النصر والهزيمة في حرب حماس واسرائيل
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
أحمد الشرع: "الجولاني" الذي أعاد تشكيل الجهادية السلفية
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق