التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المقالات الأحدث

حزب الله... صمت بين خطأ التقدير واستنزاف القدرات

استمرار القصف الإسرائيلي للجنوب اللبناني بما فيها قصف اليوم العنيف على مناطق علي الطاهر ومرتفعات كفرتبنيت والنبطية الفوقا وجبل شقيف، رغم مرور أشهر على وقف إطلاق النار، يكشف عن واحدة من أكثر اللحظات التباسًا في مسار حزب الله منذ تأسيسه. الصمت الذي يلف الحزب ليس مجرّد خيار تكتيكي، بل لغز استراتيجي يدفع لتحليل أسبابه على مستويين: هل يراهن الحزب على أن "الكمون" سيقابل بكمون إسرائيلي؟ أم أن ما نراه هو نتيجة حقيقية لتصفية قدرات الردع، وتحول الحزب فعليًا إلى كيس ملاكمة في ساحة مفتوحة؟ أولًا: كمين التقدير الخاطئ السيناريو الأول يُفترض أن الحزب اختار التهدئة عن وعي، ظنًا منه أن امتصاص الضربات سيكبح شهية إسرائيل، وأنه كلما تراجع خطوة، هدأت النار المقابلة. لكن هذا الرهان على "عقلانية" الخصم يبدو حتى الآن خاسرًا. إسرائيل تقرأ الكمون كضعف، وتستثمر فيه بكل ما لديها من طيران واستطلاع وذخيرة دقيقة. من مارس إلى يونيو، نفذت أكثر من 900 ضربة، بعضها طال مواقع مفترضة لتخزين طائرات درون تحت الأرض، وأخرى استهدفت طرق الإمداد وصواريخ نوعية كان الحزب يحاول إخفاءها. ببساطة، إسرائيل لا تقرأ ا...

مسارات التطور التاريخي لحكم لدولة القانون في مصر


يؤرخ بحكم محمد على لبداية ظهور الدولة المصرية الحديثة, ويؤرخ بمذبحة القلعة على سبيل التخصيص وهو العام الذي تخلص فيه محمد علي من مقاومة المماليك (الطبقة السياسية الحاكمة في عصر ماقبل الدولة الحديثة ). وبهذه المذبحة كتب محمد على نهاية دموية لعصر دولة الأقطاع المملوكي ليبدأ عصر دولة حديثة على اسس مختلفة سواء في ترتيب مؤسساتها او حتى في ترتيب الولاءات فيها ..حيث تم استبدال الولاء لخليفة المسلمين القابع في الباب العالي بأستنبول الى الولاء للقابع فوق تلال المقطم بقلعة صلاح الدين وما ترتب على ذلك من انتقال مركز الثقل في الدولة المصرية الى داخلها بعدما ظل لقرونا ثلاثة يميل هذا الثقل الى خارج حدودها .

ظل المصري ينظر الى الدولة على انها قضاء الله وقدره كالظواهر الطبيعية التي لا يملك لها دفعا ولا يستطيع تغيير شروطها او قوانين بقائها او اختفائها. حيث  بقيت ظاهرة الدولة في مصر لقرون طويلة ظاهرة فوقية تأتي بالقوة والغلبة وتختفي بقوة اخرى وبغلبة مضادة, ولا يملك  المصري  سواء في ظهورها او بقائها او حتى اختفائها ضرا ولا نفعا ...
فبقرأة تاريخ مصر منذ نهاية عصر الأسرات المصرية القديمة نجد ان تاريخ مصر يظهر دائما بغير مصريين , حيث يظهر تاريخ مصر بعد عصر الأسرات في حقيقته تاريخا للأغريق والرومان والبيزنطيين والعرب والترك والجراكسة والفاطميين والأكراد والمماليك والعثمانيين........الخ , ويظهر المصريون في خلفية  الصورة على فترات متقطعة كجمل اعتراضية في كتاب التاريخ او على هامش الأحداث كما يظهر مجاميع السينما والتلفزيون(الكومبارس) , كما لو كانت مصر قد خلت من المصريين ابان هذه الفترات الطويلة .غير ان الحقيقة ان مصر قد خلت من قدرة المصريين على الفعل وايمانهم بأنفسهم . فبمرور الوقت ايقن المصريون ان قدرتهم على التأثير في الأحداث هي قدرة محدودة خاصة بعد تدمير مؤسستهم الوطنية الأخيرة  التي كانت تجمعهم على اساس انتمائهم الوطني  وهي مؤسسة العسكرية المصرية القديمة...
والغريب والمدهش ان تطور مسار التاريخ في مصر تطور بشكل مغاير تماما لما حدث في اوروبا (انجلترا تحديدا) ففي الوقت الذي انطلقت فيه حركات التطور نحو دولة القانون والديمقراطية في انجلترا من منطلق ان من يدفع ضرائب الدولة هو شريك في الحكم وله حق مسائلة الحاكم كيف ينفق هذه الأموال وكيف يصيغ القوانين بل الزمته بالخضوع للقانون نفسه (وثيقة الحريات 1100 للملك هنري والماجنا كارتا 1215 في عهد الملك جون) , تطورت الأمور في مصر في اتجاه معاكس تماما لهذا الأتجاه حيث دفع المصري من ثرواته وامواله لتمويل خزانة الدولة وأدوات قهرها ودفع ايضا من حرياته وحقوقه لتمويل استبدادها.( ربما يرجع ذلك الى تدمير المؤسسات الوطنية المصرية واحتكار ادوات القهر في مصر لصالح طبقة الحكام الأجانب وحرمان المصريين من حقهم في الدفاع عن وطنهم.)

فقد المصريون ايمانهم بقدراتهم فأختفوا من المشهد التاريخي ومن مسار التفاعلات فيه.وكرست الدولة لحالة تهميش المصريين ولم تتذكرهم الا في مواسم الحصاد والجباية فأمعنت الدولة في فرض حالة من الرعب  والأذلال حتى تفقد المصريين اي قدرة على الفعل  وأي احساس بالرغبة في مقاومة الظلم ...فأنخفضت الجبايات حينا لكنها ارتفعت احيان ,ولم تهتم الدولة بتفسير لماذا انخفضت او كيف ارتفعت  .استخدمت في سبيل جمعها القهر المادي والمعنوي والقوة المبالغ فيها التي ترسل رسالة محددة ان لا فائدة من المقاومة ولاجدوى من التمرد وهي رسالة استوعبها المصري في وعيه الجمعي فنظر للدولة على انها هذا الكائن السلطوي الأسطوري الذي يفضل الخضوع له ظاهريا على الأقل وان احتفظ بدرجة من درجات المقاومة الصامتة التي تظهر في حسه الشعبي الساخر من الدولة ومن الحكام كما انها ظهرت في رغبته الدائمة في ان يكسر القواعد القانونية التي تضعها الدولة كلما استطاع الى ذلك سبيلا .


تطور الدولة المصرية
محمد علي الطريق الى الدولة الحديثة
كان وصول محمد علي للسلطة تطور دراماتيكي  في التاريخ المصري نقل مصر من العصور الوسطى الى العصر الحديث والمدهش ان المصريين انتقلوا للعصر الحديث سنة 1805 حينما استعادوا ايمانهم بأنفسهم وبقدرتهم على تحريك الأحداث حيث ان محمد علي نفسه وصل للقلعة عن طريق انقلاب ابيض قام به المصريون انفسهم من خلال طبقتهم الأرستقراطية المتمثلة في الأعيان وشيوخ الأزهر بقيادة عمر مكرم (لا تندهش ان مصر مرشحة لأن تدخل العالم الحر في 2011 حينما استعاد نفس الشعب القدرة على المبادرة وقام بثورة اخرى بيضاء بعد اكثر من 200 سنة من ثورة طبقته المثقفة الأولى التي وضعت محمد علي على رأس هرم السلطة في مصر.)
بمقتضى القانون الأساسي الذي اصدره محمد علي سنة 1837 والذي عرف بقانون (السيستنامة) انشأ محمد علي سبعة دواوين اولها كان الديوان الخديوي وكان لهذا الديوان سلطة قضائية في الحكم بين المصريين او الأجانب المقيمين , الى ان انشأ سنة 1842 هيئة قضائية جديدة تسمى (جمعية الحقانية ) وكانت بمثابة محكمة جنايات وجنح كما انها كانت تحاكم كبار الموظفين على ما يتهمون به في عملهم وكانت الحقانية بمثابة اول تأسيس لنظام قضائي حديث نسبيا في مصر الا انه كان نظاما قضائيا يخضع تماما لسلطات الحاكم سواء في التعيين او الأحكام نفسها. وتتكون الجمعية الحقانية من رئيس وستة اعضاء يوزعوا على النحو التالي : اثنان من امراء الجهادية(قادة الجيش)،واثنان من البحرية , واثنان من البوليس (1) عبد الرحمن الرافعي -عصر محمد علي- ص526,522 .

اعادت دولة محمد علي الأعتبار للوطنية المصرية تدريجيا وغيرت شكل الولاءات لتظهر الولاءات المصرية مقدمة عما دونها من ولاءات الا انها لم تحدث تغيرات كبيرة في مفهوم الدولة والقانون عند المصريين ,فأحتفظت الدولة بصورتها النمطية في الوعي الجمعي المصري كدولة قهر وقمع وظل القانون بدوره يحتفظ بصورة نمطية اخرى وهي صورة الفرمانات والأوامر التي تعكس رغبات الحاكم وتطلعاتها ولا تعكس مصالح الفرد  وأولويات الأمة,ويظهر القانون هنا كخصم قوي يجب تجنبه ولكن لا يجب احترامه لأنه لا يعبر عن توافق الأمة ورضا المحكومين... (وهي نفس الصورة التي ظلت مطبوعة في الوجدان العام الى يوم 25 يناير 2011 وهي نفس الصورة التي نسعى لتغيرها بعد هذا التاريخ .)

كانت النقلة الأهم في دولة محمد علي الحديثة انها خلقت طبقة من المثقفين المصريين الذين تم ارسالهم في البعثات العلمية لأوربا (9 بعثات اجمالي عدد طلابها 319) (2) من 407 الى 423
 نظر هؤلاء لسر تقدم الغرب الأوروبي كنتيجة طبيعية لترسيخ حكم القانون ودولة الحقوق .
ومن اوائل هؤلاء الذين ايقنوا هذا الدور الذي يلعبه الدستور وترسيخ حكم القانون كان رفاعة الطهطاوي الذي سافر كأمام للبعثة المرسلة لفرنسا سنة 1826 الا ان طموحه الشخصي قاده لأن يكون افضل طلاب هذه البعثة واول من نبه لأهمية دولة القانون
انظر الى هذا النص الذي يحتفي بدولة القانون التي تساوي بين الجميع "قوله(يقصد الدستور الفرنسي ) في المادة الأولى ان سائر الفرنسيس متساوون قدام الشريعة معناه سائر من يوجد في بلاد فرنسا من رفيع ووضيع لا يختلفون في اجراء الأحكام المذكورة في القانون,حتى ان الدعاوي الشرعية تقام على الملك , وينفذ عليه الحكم كغيره , فأنظر الى هذه المادة فأن لها تسلط عظيم على اقامة العدل واسعاف المظلوم وأرضاء خاطر الفقير بأنه كالعظيم نظرا  الى أجراء الأحكام ،ولقد كادت هذه القضية ان تكون من جوامع الكلم عند الفرنساوية ، وهي من الأدلة الواضحة على وصول العدل عندهم الى درجة عالية وتقدمهم في الأداب الحضرية" (3) ( تخليص الأبريز في توصيف باريز – رفاعة الطهطاوي –ص80-
احدثت البعثات الصدمة الأولى في سلسلة صدمات اصابت الصورة النمطية التي كانت لدى المصريين حول فكرة الدولة المستبدة  الذي ظلوا لسنين يظنونه قضاء الله الذي لا يمكن تغييره ..

اما الصدمة الثانية التي اصابت هذه الفكرة فكانت في عهد خلفاء محمد علي حينما تم التأسيس لمجلس شورى النواب كأول برلمان رقابي في الشرق الأوسط سنة 1866 ذلك المجلس الذي بدأ مستأنسا من قبل السلطة الا انه استطاع ان ينتزع لنفسه صلاحيات نيابية، تلك الصلاحيات التي وصلت ذروتها في رفض المجلس لقرارات الخديو في معالجة  الأزمة المالية للبلاد سنة 1879 ،وقد كان ذلك النضال البرلماني جزء من الثورة العرابية و تمهيدا لها وكان من اهم نتائجه حصول مصر على اول دستور سنة 1882 (لم يكن دستور بالمعنى الحديث بقدر ما كان لائحة تنظم عمل ومراقبة مجلس النواب للحكومة وان كان اقر ان النواب هم وكلاء عن الأمة المصرية حيث اقر في مادته السادسة ما يلي :

كل نائب يعتبر وكيلاً عن عموم الأمة المصرية وليس فقط عن الجهة التي انتخبته.(4) دستور 1882 مادة 6
وأظن ان هذه المادة بالذات كانت نقلة نوعية في الأقرار بحق الأمة عن طريق وكلائها في محاسبة السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة مما يمهد الطريق لتأسيس نظام قائم على الفصل بين السلطات والمحاسبة امام الأمة كأحد اهم دعائم دولة القانون.

وكانت الصدمة التالية التي اسهمت في ترسيخ طموح المصريين للأنتقال لدولة القانون الحركة العرابية نفسها، تلك الحركة التي كثفت شعور المصريين الوطني تحت قيادة مصرية وهي احمد عرابي وربما لخصت جملته الشهيرة التي قالها للخديو توفيق هذا الشعور  حين خاطبه من فوق صهوة جواده قائلا "لقد خلقنا الله احرارا ولم يخلقنا تراثا او عقارا فو الله الذى لا اله الا هو لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم"

انتهت حركة عرابي على غير ما يشتهي المصريون لأن قائد الحركة كان يملك قدرات سياسية كبيرة لكنه لم يملك قدرات عسكرية بنفس الدرجة  فأنهزم عرابي امام الغزو الأنجليزي ودخلت مصر لفترة طويلة تحت الأحتلال ،الا ان عقارب الزمن اثبتت انها لا تعود الى الوراء حيث ان الشعور الوطني الذي خرج من محبسه بتأسيس الدولة الحديثة في مصر بداية من حكم محمد علي, لم يكن له ان يتراجع ثانية تحت وطأة الأحتلال .
تصاعدت الحركة الوطنية المصرية وواكب هذا التصاعد احساس لدى الأباء المؤسسين لحركة التنوير المصري في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين  ان الأستقلال لن يتحقق الا بتثبيت دعائم الدستور وما يستتبعه من حكم القانون .
تم تتويج هذا النضال الوطني بثورة 1919 التي انتهت بأعلان استقلال اسمي لمصر وتأسيس دستور 1923 الذي مهد بدوره للتمكين من تأسيس لدولة دستورية وحكم القانون وسيادة للأمة.
نجحت التجربة الدستورية فيما بعد 1923 ان تحقق انجازات ملموسة في طريق تعزيز حكم القانون في مصر حيث اقر الدستور المصري الحريات العامة والمدنية والفردية واقر ان الأمة مصر السلطات ( اي ان التشريعات يجب ان تعبر عن ارادة الأمة لا عن قهرها) كما اقر بمبدأ المساواة امام القانون، كما تم الغاء المحاكم المختلطة والأمتيازات الممنوحة للأجانب في اهدار واضح لحقوق المصريين.كما تم اصدار قانون السلطة القضائية لضمان استقلال القضاء سنة 1943. وانشأ الدستور حقوق وواجبات مترتبة على التمتع بالجنسية المصرية. كما خلق الدستور حالة من حالات توازن القوى بين السلطات واكد على مبدأ الفصل بين هذه السلطات .
الا ان كل هذه الأنجازات ظلت انجازات شكلية اكثر من كونها انجازات حقيقية يشعر بها المواطن المصري ..فالتفاوت الأقتصادي والأجتماعي الكبير لم يخلق احساس حقيقي بالمساواة امام القانون, والأمة  التي كانت مصدرا للسلطات واساس للسيادة  لم تمارس  هذه السيادة  فعليا  وظل الحكم الدستوري رهين القصرين (قصر السفير الأنجليزي والقصر الملكي).
تطور مفهوم حكم القانون بعد يوليو 1952 – من دولة القانون الى دولة الزعيم-
كان الأنتقال الى حقبة يوليو انتقال آمن حيث لم ينزعج المصريين كثيرا لألغاء دستور 1923 او صياغة دساتير جديدة لا تحتفي كثيرا بحرياتهم او حقوقهم بقدر احتفائها بما اسميناه بالأهداف القومية والأجتماعية  الكبرى و التي تهدف لتحقيق الوحدة السياسية والمساواة الأشتراكية .
ولم يكن هذا الأنتقال غريبا بقدر ماكان معبرا... فالمساواة امام القانون التي ضمنها دستور 1923 لم تكن لها ان تتم اذ لم تفعل على مستوى الوعي الجمعي المصري ..فحالة التفاوت الكبرى بين المصريين قضت على اي امل في تحقيق المساواة الحقيقية امام القانون, والسلطة الأتوقراطية ذات النمط الأستبدادي لم تترك اي فرصة لتحقيق مبدأ سيادة الأمة .

احتفظت ثورة يوليو بمفهوم محدد لحرية وهو مفهوم مرادف لمفهوم الأستقلال الوطني, اي ان الحرية كانت تعني استقلال البلاد عن المستعمر ولم تهتم كثيرا بمفهوم الحريات الفردية والمدنية للمواطن .
وهو النموذج الذي تم تأسيسه فيما بعد فيما يمكن ان نسميه الدولة المستقلة في ارادتها الوطنية في مقابل المواطن غير المستقل ،اي المواطن الذي لا يتمتع كثيرا بنمط من الحريات السياسية والأجتماعية الا انه يتمتع برعاية دولة ذات ارادة مستقلة تقدم له الدعم الأجتماعي والأقتصادي.
وقد كان هذا المفهوم لدور الدولة هو  الأساس  للعقد الأجتماعي الجديد الذي اسسه نظام يوليو والذي يتنازل بمقتضاه المواطن عن جزء كبير من حرياته وحقوقه المدنية في مقابل ان تلبي الدولة احتياجاته الأساسية وتوفر له الأمن الأجتماعي.
خلق هذا نوع من انواع الأحترام الهش للقانون الا ان مفهوم حكم القانون لم يطبق بمعناه الحرفي نظرا للحالة الثورية الدائمة والتي خلقت بدورها طبقة من الثوار الذين تحولوا لحكام يستطيعوا ان يفسروا القانون وهم في العادة فوق القانون (فيما عرف لاحقا بمراكز القوى) .
وترسخت بمرور الوقت فكرة تفيد انك من الممكن ان تخرق القانون كلما اقتربت من دوائر صنع القرار , وظل القانون في مجمله منحاز للرؤية الثورية او من يفسر الرؤية الثورية.
واذا كان حكم القانون يرتكز على خمسة مرتكزات رئيسية يمكن ان نجملهم فيما يلي:
1-    المساواة الكاملة امام القانون لا فرق بين حاكم ومحكوم.
2-    السيادة للأمة ,بحيث تكون تعبر القوانين عن توافق الأمة ومصالحها ورضاها العام وليس عن ارادة الحاكم.(وفي الغالب تمارس الأمة سيادتها في تشريع القوانين عبر برلمانات تمثلها تمثيل حقيقي وليس تمثيلا مزورا)
3-    التوازن بين السلطات بحيث يتم توزيع القوى والسلطة داخل المجتمع بين افرع السلطة الثلاثة(تشريعية وتنفيذية وقضائية) وذلك لضمان عدم تركيز السلطة في يد شخص او مجموعة مما يمهد للأستبداد.
4-    ان يكون القانون ضامنا للحريات المدنية والفردية والمبادىء العالمية لحقوق الأنسان.
5-    كفاءة المحاكمات واحترافية الجهاز القضائي.
نلاحظ ان نظام يوليو لم يراعي ايا من هذه المرتكزات بشكل حرفي بل على العكس تماما تم اختراقها بشكل ممنهج مما مهد الطريق الى استبدال فكرة دولة القانون بدولة الزعيم ( بمراجعة دستور 1964 على سبيل المثال من المادة 101 الى المادة 129 يمكننا ان نلاحظ الميل لتركيز السلطة في يد رئيس الجمهورية بداية من حل مجلس الأمة نهاية بأصدار قرارات بقوة القوانين. والملاحظ ان نفس الدستور لم يضع طريقة لمحاسبة الرئيس ذو السلطات الواسعة وقد تم الحفاظ على تلك الفلسفة الدستورية في كل دساتير مصر فيما بعد حتى ثورة يناير 2011).
كما لم يعترف نظام يوليو بحقوق الأختلاف او الحريات السياسية لأنها كانت من وجهة نظر الضباط تهدد الأستقلال الوطني والمشروع الأيدلوجي للدولة وصاحب نظام يوليو اعتقالات خارج اطارالقانون ضد المعارضين او المثقفين او تعرضوا لمحاكمات تفتقد المعايير القضائية،بل ان بعضهم قتل تحت التعذيب دون محاكمات تذكر (مقتل شهدي عطية الشافعي تحت التعذيب في سجن أبوزعبل في 15 يونيو 1960). بل ان سنة (بضم السين) احالة المدنيين للقضاء العسكري كانت قد ظهرت بداية من 1954 في قضية محاولة اغتيال جمال عبد الناصر (فيما عرف تاريخيا بحادثة المنشية) حيث احيلت القضية لما يسمى بمحكمة الشعب التي غلب عليها الطابع العسكري وكان تشكيلها كالآتي:  الرئيس : قائد جناح جمال مصطفي سالم عضوية : قائمقام أنور السادات (عضو يمين) عضوية : بكباشي حسين الشافعي (عضو شمال) – يلاحظ ان ايا من اعضاء المحكمة كان قاضيا محترفا-.
وكانت المرة الثانية بين عامي 1965و 1966 (القضية رقم 12 لسنة 1965 - تنظيم 65)،   وهي المحكمة التي ترأسها الفريق اول محمد فؤاد الدجوى وحكمت بالأعدام على سيد قطب و6 اخرين من تنظيم جماعة الأخوان المسلمين.
وقد شهد عهد الرئيس ناصر واحدا من اخطر حوادث الأعتداء على السلطة القضائية فيما يعرف بمذبحة القضاة التي تمت في 31 أغسطس 1969 وتم خلالها عزل رئيس محكمة النقض، وأكثر من نصف مستشاريها وناهز عدد  القضاة المعزولين حوالي مائتي قاضٍ من القضاة الغير قابلين للعزل بغير الطريق التأديبي بقرارات جمهورية صادرة من رئيس الجمهورية نفسه الذي اصدر قرارات مصاحبة بحل مجلس ادارة نادي القضاة المنتخب بسبب رفض القضاة الأنخراط في العمل السياسي.

كما ظهرت الدساتير المؤدلجة التي تهتم بأهداف ايدلوجية كبرى اكثر من اهتمامها بالحقوق والحريات ( راجع دساتير 1956،1964،1971).

خلق نظام يوليو تحت حكم ناصر احساس بالمساواة الأجتماعية الى درجة كبيرة لكنه لم يخلق نفس القدر من الأحساس بالمساواة امام القانون مما انعكس في رؤية المصريين للقانون كأداة قهر وليس كأداة لحفظ الحقوق وتنظيم الحريات.
حكم السادات- ماذا تبقى من حكم القانون؟
انسحبت الدولة  تدريجيا من دورها في توفير الأحتياجات الأقتصادية والأجتماعية للمواطنين بداية من حكم الرئيس السادات  ، حيث بدأت خدمات الدولة في التدهور والتراجع , ولكنها احتفظت لنفسها بنفس الدور الأمني في مراقبة الحريات واحيانا قمعها ,مما اخل ببنود العقد الأجتماعي السابق القائم على اساس القبول بقمع الحريات بدرجة في مقابل توفير الأحتياجات الأساسية,
مع تراجع دور الدولة وتدهور خدماتها انتشرت بصورة موازية قيم تقدس الكسب السريع حتى ولو على حساب انتهاك القانون فأنتشرت ظواهر مثل  الاقتصاد التحتي أو السوق السوداء هي السوق التي تتكون من كل التعاملات التجارية و التي يتم تجنب فيها كل القوانين الضربيية و التشريعات التجارية، والفساد الأداري وأستغلال النفوذ.اسهمت كل هذه الظواهر في تآكل ما تبقى من مفاهيم حكم القانون في الضمير الجمعي.
شهدت فترة الرئيس السادات انفراجة نسبية في الحريات السياسية الا ان حالة الطوارىء التي فرضت بقوة القانون الصادر سنة 1958 والتي بدأها الرئيس جمال عبد الناصر بعد هزيمة يوليو 1967 استمرت طوال فترة حكم الرئيس السادات بأستثناء 18 شهر من مايو 1980 الى اغتياله في اكتوبر 1981 ، واستمرت الأعتقالات على خلفية الأراء السياسية دون محاكمات وقد وصلت هذه الأعتقالات ذروتها في احداث مظاهرات الطلبة في العام الجامعي 1971- 1972 وكذلك في انتفاضة يناير 1977 وفي اعتقالات سبتمبر 1981 .
عصر مبارك- الدولة الرخوة

على ان تكون القواعد القانونية تتسم بالشفافية (اي بالعلنية)، والعمومية(اي انها قواعد توضع للجميع دون استثناء) والتجريد ( اي ان القاعدة القانونية لا توجه  إلى شخص بعينه أو واقعة بذاتها وانما العبرة فيه تكون بعموم الصفة ), وان تكون القواعد القانونية محددة سلفا (اي لا يعاقب المرىء على فعل تم تجريمه بعد ان قام بالفعل اي لا لا يعاقب بأثر رجعي)

 يقول الكاتب الساخر جلال عامر في جملة ربما تلخص فلسفة القانون تحت حكم مبارك "فالاعتياد على غياب القانون أخطر من غياب القانون ذاته، فالقانون نغيره فى يوم، والعادة نغيرها فى سنوات.." (5) – جلال عامر-تخاريف –جريدة المصري اليوم-25/6/2011
وربما كانت الأزمة الأكبر التي خلفها حكم مبارك هي الأعتياد على غياب القانون والعجز عن تطبيقه , وهو ما يعرف بالدولة الرخوة وهي الدولة التي تفقد القدرة على تنفيذ القانون او تفرض احترامه. وهي دولة تمتلك الة ضخمة لسن القوانين ولكنها لا تمتلك ادوات فعالة لتطبيقه.فيفقد الناس احترامهم للقانون وينظر اليه على انه تراث فلكلوري او ديكور شكلي لا يحقق الغرض منه.

وفي عهد مبارك اكملت الدولة انسحابها من دورها في توفير الخدمات لكنها عززت دورها في مراقبة المجال العام والحريات ( وعلى الرغم من الأنفراجة النسبية في حريات التعبير الا ان هذه الأنفراجة قد تم تضيقها تدريجيا في اواخر عهد مبارك).
تميز عصر مبارك بظاهرة جديدة وهي ظاهرة عدم تنفيذ احكام القضاء ,  (أصدرت محاكم مجلس الدولة بمختلف درجاتها، ما يزيد على 10 آلاف حكم خلال العام القضائي (يقصد العام القضائي 2009 -2010)، ووضع كل هذه الأحكام مع إيقاف التنفيذ، على الرغم من وجود نص صريح بقانون العقوبات يعاقب بالحبس، والعزل لأي موظف يمتنع عن تنفيذ حكم قضائي بعد مرور 8 أيام من إخطاره على يد مُحضر، وفى أغلب الأحيان لا يتمكن المُحضر من العثورعلى الموظف، وهوالأمر الذى يحول دون تطبيق العدالة ).(6) البوابة الأليكترونية لنقابة المحامين – موضوع بعنوان (بعد عدم تطبيق اكثر من 10الاف حكم هل يعاد النظر في تنفيذ الأحكام القضائية)-الثلاثاء26 ابريل2011
وبأضافة هذه الظاهرة الى  ظاهرة العدالة البطيئة وطول فترات التقاضي التي ربما تستغرق سنوات طويلة ربما نستطيع ان ندرك لماذا فقد المصريين الثقة في القانون والعدالة.
صاحب ذلك عجز كامل من قبل الدولة على تطبيق القانون فعلى سبيل المثال اصدرت الدولة قوانين مكافحة التعدي على الأراضي الزراعية مثل القانون رقم 53 لسنة 1966، الذي يُنظم استغلال الأراضي الزراعيّة. * تعديل القانون السابق برقم 116 لسنة 1983. * القانون رقم 2 لسنة 1985؛ لضمان اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الممارسات الضارة، مثل: التّجْريف، والتّبْوير، والتّعدِّي على التُّربة الزراعيّة. * القانون رقم 59 لسنة 1979, الا ان كل هذه الترسانة الضخمة من القوانين لم تمنع من مصر من احتلال المركز الأول في ظاهرة التصحر (المبني اساسا على التعدي بالبناء على الأراضي الزراعية) وذلك وفقا لتقرير اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في يوم 17 يوليو 2011 في الجزء المعنون ب (Desertification Challenge in Egypt)  (تحدي التصحر في مصر) (7) تقرير الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر 17 يونيو 2011 .وهو التقرير الذي اوضح ان مصر تفقد 3.5 فدان من اراضيها الزراعية كل ساعة وهو ما يزيد عن 30 الف فدان في السنة وذلك نظرا للتعدي السكاني على الأراضي الزراعية وفقا للتقرير نفسه .
وكما فشلت الدولة في فرض القانون في الأرض الزراعية فشلت كذلك في فرض القانون في مكافحة التسرب من التعليم او في مكافحة الدروس الخصوصية التي انشأت لحظرها قرارا وزاريا لم يساوي الحبر الذي كتب به وهو قرار وزير التربية و التعليم رقم 592 لسنة 1998بتاريخ 17 / 11/ 1998
وتنوعت مظاهر عدم احترام القانون من المواطن وعدم القدرة او عدم الرغبة في تطبيقه  من قبل الدولة بطرق متنوعة ومختلفة لاتبدأ من اشغالات الطريق وعدم احترام قواعد المرور ولا تنتهي بعدم تنفيذ احكام القضاء.
وصاحب ذلك بناء مفهوم جديد لهيبة الدولة حيث كانت هيبة الدولة قائمة على ما يمكن ان نسميه بدولة القمع الأمني او جمهورية الخوف التي تنسحب من اغلب مناحي الحياة ولكن تظهر بقوة للحفاظ على بقاء نظام الحكم وحماية مصالحه السياسية والأقتصادية مستخدمة في ذلك ترسانة من القوانين وممارسات قمعية متنوعة للأجهزة الأمنية المختلفة.
وأسهم طول العمل بقانون الطوارىء الى خلق ثقافة الطوارىء عند رجل الشرطة وهي ثقافة تشعره دائما انه مطلق اليد في التعامل مع المواطنين وانه فوق اي مسائلة وفوق اي قانون وهي الثقافة التي حولت هيئة الشرطة من هيئة منفذة للقانون الى هيئة فوق القانون.
وقد خلق هذا الوضع بيئة مدمرة لدولة القانون داخل جهاز الشرطة نفسه
وقد ذكر التقرير السنوي الذي اعدته المنظمة المصرية لحقوق الأنسان سنة 2009 عن وقوع ١١٣ حالة وفاة نتيجة التعذيب خلال الفترة من عام ٢٠٠٠ حتى نهاية عام ٢٠٠٨ (8) تقرير المنظمة المصرية لحقوق الأنسان السنوي -2009-
كما لم ترى الدولة  في جريمة التعذيب ما يستوجب انهاء خدمة الضباط المتهمين بها ومن اشهر الأمثلة على ذلك قضية النقيب اسلام نبيه معاون مباحث قسم بولاق الذي ادين في قضية تعذيب السائق عماد الكبير سنة 2007 وحكم عليه بالسجن 3 سنوات وبعد انقضاء مدة الحكم عاد الى الخدمة وكأن شيئا لم يكن.
ظل هذا الأحساس يتنامى داخل المؤسسة الشرطية للدرجة التي جعلت ممارسات التعذيب وانتهاك القانون يحدث على مرأى ومسمع من الناس ولعل حادث مقتل خالد سعيد -المتهم فيه شرطيين بمدينة الأسكندرية سنة 2010 - هو الحادث الفارق الذي مهد لقيام الثورة المصرية في اقل من سنة من هذا الحادث .تلك الثورة التي قامت في يوم عيد الشرطة كرسالة احتجاج واضحة ضد الأنتهاكات التي مارستها الشرطة المصرية في حماية من قانون الطوارىء سيء السمعة في مصر.
كما ازداد بشكل ملفت اعداد المعتقلين السياسيين من مختلف التيارات وان زاد بشكل ملحوظ بين الأسلاميين

كما تميز حكم مبارك بتكوين شبكات مصالح تكونت داخل الحزب الحاكم او التحقت به للحصول على منافع التقرب من دوائر صنع القرار وقد استطاعت هذه المجموعات والشبكات خلق بنية قانونية تقوم على حماية المصالح الأقتصادية والسياسية لها بغض النظر عن الصالح العام للمصريين ومن اشهر الأمثلة على ذلك تخصيص الأراضي لكبار رجال الحزب والنظام السابق وبيع الشركات بأقل من قيمتها السوقية وكذلك قانون الأحتكار الذي صدر سنة 2008 الذي تعرض  لضغوط ضخمة مارسها رجل الحزب القوي احمد عز لكي يغير من نص القانون وذلك بهدف اشراك المبلغ عن جريمة الأحتكار في العقوبة وتحميله نصف الغرامة في محاولة ناجحة منه في تفريغ القانون من معناه.
 كما ازداد في عهد مبارك مطالبات القضاة بأستقلال السلطة القضائية نظرا لما كانت تمارسه الحكومة من ممارسات تحد من هذا الأستقلال مثل تبعية التفتيش القضائي لوزارة العدل وانتداب القضاة للوزارات والهيئات الحكومية  للعمل كمستشارين داخل الحكومة وتعيين النائب العام من قبل رئيس الجمهورية وهو في نفس الوقت رئيس للسلطة التنفيذية وعدم استقلالية النيابة ورؤساء المحاكم الأبتدائية ....الخ وقد تصاعد غضب القضاة حتى وصل لذروته في انتفاضة القضاة بعد ان ادان تيار استقلال القضاء العملية الأنتخابية في برلمان 2005 مما ادى الى تحويل المستشارين الجليليين هشام البسطويسي واحمد مكي الى مجلس الصلاحية كقرار تأديبي من السلطة التنفيذية لتجرأهم على انتقاد العملية الأنتخابية.
كما لم يشهد عصر مبارك اي انفراجة دستورية حقيقية فعلى الرغم من تعديل الدستور سنة 2005 لكي يسمح بأنتخابات رئاسية تعددية الا ان التعديل نفسه جعل من المادة 76 مادة للتندر نظرا لصعوبة الشروط التي تحولت بنهاية 2010 شروط شبه مستحيلة ولا تنطبق الا على مرشح الحزب الحاكم. كما تغافل التعديل عن اي ذكر للمادة التالية لها 77 الخاصة بمدد غير محددة لتولي منصب الرئاسة
وتم التعديل الثاني في 2007 وعلى الرغم من انه احال بعض صلاحيات رئيس الجمهورية لمجلس الوزراء الا ان التعديل اعتبر خطوة للوراء نظرا لألغائه الأشراف على القضائي على الأنتخابات وكذلك تضمنه للمادة 179 التي تعطي للجهات الأمنية  صلاحيات واسعة على حساب مواد الحريات.
وظل رئيس الجمهورية هو القابض على النسبة الأكبر من السلطات في البلاد مما مهد الطريق لخلق دولة سلطوية تتركز فيها القوة في يد رجل واحد وهو مايغري اي رئيس بممارسة اعمال استبدادية تنافي روح دولة القانون.كما سيطرت السلطة التنفيذية متمثلة في مؤسسة الرئاسة والحكومة على السلطتين التشريعية ( من خلال السيطرة  الدائمة للحزب الحاكم على البرلمان) والقضائية ( من خلال سيطرة وزارة العدل على القضاء)
كما ازدادت وتيرة تحويل المدنيين للمحاكم العسكرية بداية من 1995 في القضية رقم( 1995/8  جنايات عسكرية)والتي تم فيها القبض على 49 متهما منتمين لجماعة الأخوان المسلمين وحكم على المتهمين بالسجن مدد تتراوح بين 3 سنوات و 5 سنوات وكان من بين المحكوم عليهم القيادي بجماعة الأخوان المسلمين عصام العريان وتوالت المحاكمات العسكرية في عهد مبارك لتصل الى سبع محاكمات كان اخرها سنة  2007 برقم (2007/2 جنايات عسكرية). وهي المحكمة التي حكمت على القياديين بجماعة الأخوان المسلمين خيرت الشاطر وحسن مالك ومدحت الحداد واخرين فيما عرف اعلاميا بقضية العرض العسكري لطلاب الأخوان بجامعة الأزهر.

كما لاحق البرلمان في عهد مبارك احكام تتراوح ببطلان المجلس كله كما حدث في برلمانات 1984 و برلمان 1987 وبرلمان 2000 , الى تقارير محكمة النقض ببطلان عضوية اعضائه تلك التقارير التي كانت تحال للمجلس وفي الغالب لا يعتد بها (الا اذا جاءت ضد نائب معارض) تحت القاعدة الشهيرة  (ان المجلس سيد قراره)..مما اضر بصورة المجلس ولاحقته تهم التزوير المثبتة بأحكام قضائية ومشاهدات وتقارير حقوقية تلك التهم التي ظلت تتراكم في الشعور العام للدرجة التي اصبح فيها حل المجلس احد اهداف ثورة يناير .

اسهم كل ذلك في تكثيف مشاعر الغضب وكذلك تصاعد  وتيرة خرق القانون.
 وصاحب انهيار دولة القانون انهيار مصاحب للمؤسسات السياسية او التعليمية اوالأجتماعية حيث تعجز هذه المؤسسات عن النمو في ظل غياب حكم القانون وتراجع العدالة وفقدان الثقة في القانون ذاته كأداة لأسترجاع الحقوق
ويمكن ان نلخص ما سبق فيما يلي :
1-    ترسخ في الضمير الجمعي المصري ان القانون اداة قهر وليس اداة تنظيم للحريات و الحقوق. حيث ان القانون لفترات طويلة ظل معبرا عن ارادة الحاكم ورغبات اجهزة الدولة بأكثر من تعبيره عن توافق الأمة ومصالح المواطن.
2-    ظلت علاقة المصري بالقواعد القانونية علاقة شك وريبة لشعوره ان القانون لا يعبر عن مصالحه او طموحاته, بل انه في كثير من الأحيان كان ينتهك هذه القواعد كجزء من تمرد صامت على السلطة التي تصيغ القوانين.
3-    على الرغم من ارساء قواعد قانونية ودستورية حديثة بعد دستور1923 الا ان ذلك لم يصحبه ترسيخ لمبدأ سيادة القانون في الشعور الجمعي للمصريين نظرا لغياب الأحساس بالمساواة والتفاوت الحاد بين المصريين. وهو ما يعكس ضرورة ان يواكب دولة القانون احساس حقيقي بالمساواة وليس احساس منصوص عليه ولا يفعل في الواقع.
4-    ومن اللافت ان المصريين لم يتوقفوا طويلا امام الغاء الدستور والحياة الديمقراطية بعد يوليو 1952 مما يؤكد ان الديمقراطية وحكم القانون لن يصمدا في مجتمعات تعاني من الفقر والأمية .
5- اقام نظام يوليو عقد اجتماعي جديد يتنازل بمقتضاه المواطن عن جزء كبير من حرياته وحقوقه المدنية في مقابل ان تلبي الدولة احتياجاته الأساسية وتوفر له الأمن الأجتماعي. غير ان هذا العقد لم يثبت نجاحه ايضا. حيث ان غياب او تراجع حكم القانون يخل  بالتبعية بقيم العدالة و المساواة مما ينعكس على نجاح الدول او فشلها.
6- تم التأسيس للدولة الرخوة في مصر حين رضيت الدولة ان تحل دولة الأمن محل دولة القانون فكانت يد الدولة ضعيفة وغير قادرة في كل ما يتعلق بتطبيق القانون لكنها كانت قوية وحاضرة في كل ما يتعلق بالأمن السياسي والحفاظ على بقاء نظام الحكم .خلق هذا بدوره عقد اجتماعي يقوم على سماح الدولة للمواطنين بخرق القانون طالما لا يقترب من المصالح السياسية او الأقتصادية للمحيطين بالنظام .فلم ترغب الدولة في تطبيق القانون بجدية ولم يرغب المواطنون في احترامه.
اسهمت كل العوامل السابقة في خلق وعي جمعي سلبي نحو القانون في مصر يلزم ان يتم تغييره بأجراءات فعلية وملموسة تستهدف خلق وعي جديد يقوم في اساسه ان دولة القانون هي الوحيدة القادرة على تحقيق مصالح المصريين وصيانة حقوقهم.وان حكم القانون هو الضامن لترسيخ الأحساس بالعدالة والمساواة .


تعليقات

المشاركات الشائعة