من كام يوم انتشر بوست على الفيس لواحدة بتقول انها مريت بمرحلة كانت بتحضر فيها كل ندوات التيار العلماني الليبرالي المصري وحصرت التيار ده كله كده في 5 , 6 كده محدش يعرفهم من الناس اصحاب الأفكار المرتبكة واللي بيداروا ارتباك وضحالة افكارهم بأنهم يخلقوا معارك مفتعلة لكن صوتها عالي. كاتبة البوست بتقول انها عارفة الفولة يعني وان الناس دول خدعوها بعض الوقت لأنها كانت منهم لكن انها اكتشفت في الأخر ان التيار العلماني المصري (ال 6 انفار دول وفقا لصاحبة البوست) تيار بائس وفاشل ثم نتعت الأستنتاج الذي لا يصد ولا يرد كمن وصل لخلاصة الحكمة اللي هو ان العلمانية دي تطور للمسيحية لكن ما تنفعش مع المسلمين واسمعوا مني يا جماعة وكده.
في تكنيك في المغالطات المنطقية اسمه الإنحياز التأكيدي confirmatory bias, وهي مغالطة ان معظم التجارب التي يتذكرها الإنسان هي تجارب داعمة لأفكاره وافتراضاته, ويمكن استخدام هذه المغالطة باستخدام اشخاص محدش بيحبهم على انهم ممثلين حصرين للفكرة اللي ما بتحبهاش وتحمل عليهم فكرة معينة وتقول بصوا الفكرة وحشة ازاي شوفتوا التيار الوحش اللي ما فيهوش غير الناس الوحشة..
هو مبدئيا علشان اي حد يتوصف بالليبرالية العلمانية لازم يتوفر فيه شرطين الأول انه يكون له موقف معادي للأفكار الفاشية اللي بتشوف في الدولة كائن اسمى من البشر يتشكل رغما عن ارادتهم وويقمع رغباتهم ويفرض سطوته على طريقة تفكيرهم.. الليبرالي اصلا ضد الحكومة الكبيرة ما بالك الفاشية.
الشرط التاني, انه يكون مؤمن بحياد السياسة والتشريع امام الدين. بمعنى ان لا عصمة لفكرة سياسية ولا تشريع ثابت وكل هذا قابل للجدل البشري حول مدى فاعلية الفكرة دي او التشريع ده في اللحظة الزمنية دي. وطبعا بما ان مفيش عصمة دينية لفكرة سياسية فلا عصمة دينية لمنصب سياسي, والحاكم او الطبقة السياسية بتستمد شرعيتها من اختيار الناس. وطبعا مفيش حد من اللي اختارتهم كاتبة البوست دول لهم مؤمن بالأفكار دي. فممكن نسميهم ببساطة مثقفين سلطة بدل ما نخلي نفسنا شكلنا وحش ونكتب بوست علشان نبان جامدين فنظهر اننا لا فاهمين ليبرالية ولا علمانية ولا تنوير.
تاني حاجة بقى وتفاعلا مع فكرة كاتبة البوست المتحولة, فالعلمانية ضرورة تاريخية ظهرت على فترات في التاريخ وفي كل زمن وفي كل مرة رفض فيها مجموعة من الناس الحكم الكهنوتي او قاوموا شرعية دينية ما او رفضوا تشريع مقدس قديم واستبدلوه بتشريع اكتر تلائم مع العصر والزمن وفصلوا فيه بين الوحي الألهي والجدل الأنساني فثمة علمانية.. هي فكرة ظهرت متقطعة على مر التاريخ لكنها انتصرت في شكلها النهائي في المرحلة التاريخية اللي احنا فيها دي. الفصل بين الوحي المقدس من ناحية والجدل البشري والمصلحة العامة من ناحية ثانية ظهر حتى في صدر الإسلام في اكثر من حادثة تاريخية شهيرة ( احكام الفيء والغنائم و تأليف القلوب امثلة مهمة لكنها مش حصرية) , الخلاف حول تفسير النص بين مدارس تأويل ومدراس ظاهرية هو في شكل منه خلاف علماني بيحاول يفصل بين المقدس والبشري ويفصل الخطاب بين التشريع البشري والعقيدة الألهية.
التيار الليبرالي العلماني (على خلاف اراء البعض) هو تيار بيتراكم في مصر في حالة جدل من القرن ال 19 وبدأ التراكم بتاعه حتى مع من داخل المؤسسة الدينية المصرية خصوصا في اعلامها اللي امنوا بفكرة الشرعية الدستورية لا الدينية للمنصب السياسي ,وعلشان ما نطولش كل محاولة ظهرت في مصر منعت استخدام الدين لأضفاء شرعية على مناصب بشرية هو في اساسها محاولة علمانية ودي محاولات محترمة شارك فيها سواء بالكتابة او الدعاية او الممارسة العملية على سبيل المثال لا الحصر لطفي السيد, وسعد زغلول, ومصطفى النحاس , وعلى عبد الرازق, وطه حسين, وقاسم امين, ومحمد عبده (رغم انه شيخ ازهري), ومحمد حسين هيكل, واسماء كتير ساهمت بوعي او بغير قصد في تطوير العلمانية المصرية وهي قامات حقيقية اثرت في مصر فعلا ,مش تجيبي لي دينا انور وسنية جنح وتقولي لي شوفت ازاي التيار الليبرالي العلماني وحش.
القصد العلمانية حركة تتطور تاريخي مش خصوصية ثقافية, بتحط خطوط واضحة وفاصلة بين المقدس والبشري, بين العقائدي الجامد والتشريعي الديناميكي.. ونصيحة للأسلاميين , الفتاوى الدينية اللي استخدموتوها علشان تكتسبوا شرعية دينية تعطيكم ميزة نوعية علشان تبتزوا بيها خصومكم اتقلبت عليكم وتم استخدام فتاوى دينية مضادة علشان استحلال دمكم.. ولو ما فهمتهموش من كل اللي حصلكم ده ان العلمانية ضرورة لحمايتكم حين تدور الدوائر مش هتفهموا ابدا لا دلوقتي ولا بعدين.
تعليقات
إرسال تعليق