التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المقالات الأحدث

حزب الله... صمت بين خطأ التقدير واستنزاف القدرات

استمرار القصف الإسرائيلي للجنوب اللبناني بما فيها قصف اليوم العنيف على مناطق علي الطاهر ومرتفعات كفرتبنيت والنبطية الفوقا وجبل شقيف، رغم مرور أشهر على وقف إطلاق النار، يكشف عن واحدة من أكثر اللحظات التباسًا في مسار حزب الله منذ تأسيسه. الصمت الذي يلف الحزب ليس مجرّد خيار تكتيكي، بل لغز استراتيجي يدفع لتحليل أسبابه على مستويين: هل يراهن الحزب على أن "الكمون" سيقابل بكمون إسرائيلي؟ أم أن ما نراه هو نتيجة حقيقية لتصفية قدرات الردع، وتحول الحزب فعليًا إلى كيس ملاكمة في ساحة مفتوحة؟ أولًا: كمين التقدير الخاطئ السيناريو الأول يُفترض أن الحزب اختار التهدئة عن وعي، ظنًا منه أن امتصاص الضربات سيكبح شهية إسرائيل، وأنه كلما تراجع خطوة، هدأت النار المقابلة. لكن هذا الرهان على "عقلانية" الخصم يبدو حتى الآن خاسرًا. إسرائيل تقرأ الكمون كضعف، وتستثمر فيه بكل ما لديها من طيران واستطلاع وذخيرة دقيقة. من مارس إلى يونيو، نفذت أكثر من 900 ضربة، بعضها طال مواقع مفترضة لتخزين طائرات درون تحت الأرض، وأخرى استهدفت طرق الإمداد وصواريخ نوعية كان الحزب يحاول إخفاءها. ببساطة، إسرائيل لا تقرأ ا...

اكتوبر ..حرب الروايات...


ذكرى حرب أكتوبر، او حرب يوم كيبور كما تسمى بالعبرية،  تمثل فرصة للتحدث عن القضايا الكبرى وتشتعل فيها حرب الروايات وحروب إعادة تشكيل الاحداث التاريخية، دعونا نعيد النظر في بعض النقاط الهامة:


1-حرب أكتوبر:  الحرب تدور حول الأرض والنفوذ والسيطرة.

 لا يمكن لبلد أن يكسب حربًا ثم يخسر أرضًا بعدها. من يخسر الأرض يخسر الحرب، وهذه قاعدة ثابتة. هذه القاعدة طبقت على مصر والعرب في حرب 1967، ويجب أن تطبق أيضًا على إسرائيل، لأنها لا تقترب من الصواب. الرواية التي تقول إن إسرائيل كسبت الحرب لكنها خسرت الأرض هي دعاية خاطئة، وهي منتشرة في الغرب وفي إسرائيل، ويصدقها البعض تحت تأثير الإلحاح أو الشعور بالعجز أو رغبة في الظهور بمظهر قوي والتعبير عن آراء معاكسة للسرديات السائدة. أولئك الذين يروجون لفكرة أن إسرائيل كسبت الحرب ولكن تبرعت بالأرض، بحاجة إلى مراجعة أنفسهم لأن منطقهم يبدو مفارقة كوميدية أكثر منه سردية متماسكة.

2- هزيمة 1967: نقطة فارقة في تحول العسكرية المصرية

قدم الجيش المصري أداءً متميزًا عندما بدأ الفصل بين السياسة والعسكرية بعد عام 1967. أصبح الجيش أكثر احترافية وكفاءة في القتال، حيث تولى قيادته ضباط عسكريون بدون طموحات سياسية كبيرة، وكانوا في خدمة المؤسسة العسكرية فقط، مما جعل الجيش أكثر قدرة على مواجهة التحديات، مقارنة بوضع المؤسسة العسكرية قبل عام 1967. تحولت هزيمة 1967 لنقطة فاصلة في اداء العسكرية المصرية التي طورت قناعات من التجربة القاسية بضرورة فصل الاحترافية العسكرية عن الطموحات السياسية العسكريين. وهو ما انعكس في اختيار قادة محترفين بالمعنى العسكري. 

3-معركة العبور: أداء عسكري منضبط

 بناءً على ما سبق، كان الأداء العسكري المصري في حرب أكتوبر أفضل من أداء جميع الحلفاء الذين حاربوا على الجبهة السورية (السوريون، العراقيون، والقوات العربية الأخرى). على الرغم من أن النظام في مصر كان شرعيته مستمدة من الجمهورية التي أنشأها ضباط يوليو، إلا أن مصر كانت في تلك الفترة من أكثر البلدان التي فصلت بين العسكري والسياسي. أما أداء القوات السورية فكان كارثيًا، ليس لأنها كانت أقل كفاءة بالضرورة، ولكن بسبب تداخل السياسة مع العسكرية، مما أفقد هذه القوات الجاهزية القتالية الكافية. حيث أصبح الولاء السياسي أهم من الكفاءة العسكرية، ما أدى إلى إضعاف الاستعداد القتالي. هذه المشكلة شكلت أزمة لمصر أيضًا، إذ اضطرت إلى اتخاذ خطوات لتخفيف الضغط عن سوريا، مما أدى إلى نتائج غير مرضية.

4- أكتوبر: حرب لا معركة 

كانت حرب أكتوبر حربًا بالمعنى الحقيقي، حيث شملت سلسلة من المعارك التي أسفرت عن مكاسب وخسائر لكل الأطراف. لكن بشكل عام، انتصرت مصر في معظم المعارك الأساسية من 6 أكتوبر حتى 13 أكتوبر، وأهمها معركة العبور (عملية بدر)، وتحرير القنطرة شرق، ومعركة الفردان في 8 أكتوبر. كما تكبدنا خسائر كبيرة في المعارك اللاحقة، مثل معركة تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر، ومعركة الدبابات أمام مضيق متلا، ومعركة مضيق الجدي. هناك أيضًا معارك شهدت مقاومة بطولية عظيمة رغم ان نتائجها لم تكن جيدة على سير الحرب، مثل معركة المزرعة الصينية، التي ربما تعتبر واحدة من أشهر معارك القرن العشرين، باستثناء الحربين العالميتين.

5- حرب يوم كيبور: الرواية الإسرائيلية

تعتمد الرواية الإسرائيلية السائدة في الغرب على فكرة أن إسرائيل انتصرت نهائيًا في الحرب، لكنها رواية غير مكتملة ولا تجيب على العديد من الأسئلة المهمة. رغم نجاح إسرائيل في حصار الجيش الثالث (تمامًا كما حدث مع الجيش السوفيتي في الحرب العالمية الثانية الذي حوصرت جيوشه ثم انتصر في النهاية). 
ورغم نجاحها في تأمين رؤوس الكباري في الغرب والوصول إلى الأراضي المصرية في أفريقيا، إلا أن الرواية الإسرائيلية لا تجيب عن الأسئلة التالية: 
السؤال الأول: لماذا فشلت إسرائيل في احتلال أي مدينة مصرية كبيرة رغم أن مدن القناة كانت شبه خالية؟ وكيف انهزمت في معركة الإسماعيلية ومعركة السويس؟ (إسرائيل كانت على بعد 101 كيلو متر من القاهرة، ولكنها لم تستطع السيطرة على السويس حتى لمدة قصيرة، فكيف كانت ستتمكن من الوصول إلى القاهرة؟) السؤال الثاني: لماذا تمكن المصريون (على عكس السوريين في الجولان) من البقاء في الأراضي الشرقية طوال فترة القتال، إلى درجة أنهم تمكنوا من تأمين شاطئي القناة وإعادة افتتاحها في عام 1975، قبل زيارة السادات للقدس بسنتين وقبل توقيع المعاهدة بأربع سنوات؟
 لماذا استطاعت القوات المصرية الحفاظ على المواقع التي استعادتها في سيناء، بينما انسحبت القوات الإسرائيلية إلى الغرب على خط الممرات؟ وأخيرًا، لماذا يقدم الطرف المنتصر تنازلات تجبره على الانسحاب من الأرض؟ 
المقصود هنا بالانسحاب هو تفريغ السكان، وإعادة السيادة، وفقدان القدرة على الاستفادة الاقتصادية من الأراضي التي كانت تعتبر مصدرًا اقتصاديًا مهمًا لإسرائيل.

الخلاصة: 

الحروب هي سلسلة من المعارك، والانتصار والهزيمة فيها يرتبطان بتحقيق الأهداف الاستراتيجية. لا يمكن لأي طرف أن يُعتبر منتصرًا استراتيجيًا وهو يخرج بتنازلات كبيرة. لا يجب أن يتفاخر الطرف المهزوم ويستمر في ادعاء النصر، فيما يردد آخرون هذه الادعاءات بدون تفكير أو تمحيص. ولا ننسى أن الغرب يروج لدعاياته الخاصة، ولذلك يجب أن نكون حذرين في تصديق ما يُقال، لأن ليس كل ما يقال يعبر عن الحقيقة.


تعليقات

المشاركات الشائعة