بحث هذه المدونة الإلكترونية
مكان لفهم أعمق للعالم، من منظور عربي عالمي. مدونة تسلط الضوء على تعقيدات العالم العربي في سياق عالمي.
المقالات الأحدث
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
عقلانية الهزيمة أم عقل التاريخ: من 1660 إلى اللحظة العربية (مقال رأي)
في عام 1660، عادت الملكية إلى إنجلترا بعد انهيار جمهورية كرومويل وهزيمة الفكرة في وعي الناس.
لم يكن السقوط مجرد نهاية تجربة، بل لحظة إعادة تعريف للواقع.
من المرجّح أن أحدهم قد كتب حينها نصوص تشبه ما يكتبه عزالدين فشير اليوم: سخرية من المهزومين لا من الهزيمة، وتقديم الانهيار كنوع من الحكمة، لا كجزء من المسار التاريخي.
ذلك الخطاب لم يكن مجرد ارتباك، بل إعادة صياغة للحقيقة،
استثمار في الصدمة، أو بتعبير أدق: كيّ للوعي، وتحويل الهزيمة إلى أداة تشكيل ذهني قابل للتطويع.
وبما أنه بدا عقلانيا وحكيما، تم تقديمه باعتباره "خلاصة التجربة" و"درس التاريخ".
لكن ما تشكّل هنا لم يكن درسا، بل نمطًا جديدًا من التفكير يمكن تسميته بـ "عقلانية الهزيمة":
تفكير لا يكتفي برفض الفعل، بل يُنكر إمكانيته أصلًا. يحصر المستقبل داخل منطق اللحظة الغالبة، ويحوّل التراجع إلى قاعدة نهائية.
لكن بعد ثلاثين عامًا من سقوط الجمهورية، عادت الفكرة المهزومة نفسها في شكل أكثر تماسكًا.
الثورة المجيدة لم تُنهِ الملكية، لكنها أنهت الاستبداد. وأُعيد تأسيس السلطة السياسية على قاعدة برلمانية مقيدة للسلطان المطلق.
التحول لم يكن بفعل تبدل الظروف وحده، بل بفعل عقلانية مختلفة:
عقلانية متحدة مع روح التاريخ لم تلغ المشروع بسبب سقوطه، بل أعاد النظر في أدواته، وواصل السير.
عقلانية الهزيمة
عقلانية الهزيمة هي عقلانية إدارة الانهيار وقبول الاستسلام المذل كفعل حكيم والتنظير للخضوع.
تُعيد صياغة الخطاب بما يناسب القوة لا الحق،
تبدو حكيمة، لكنها تكرّس الاستمرار في السقوط الحر.
تدّعي الواقعية، لكنها تتهرّب من التاريخ.
وفي جوهرها، تفرّغ العقل من دوره، وتحوّله إلى جهاز ضبط نفس لا أكثر.
لكن التاريخ لا يتحرك بهذا النوع من العقل.
عقلانية حركة التاريخ
التحولات الكبرى لم تكن استجابة للحظة،
بل نتاج عقل يرى أن ميزان القوى ليس قدرًا،
وأن التراجع لا يكتب النهاية،
وأن الممكن لا يُستمد من اللحظة، بل يُعاد بناؤه ضدها.
هنا تظهر عقلانية حركة التاريخ:
عقلانية لا تنكر الواقع، لكنها لا تقبل به كأفق نهائي.
تفكك الهزيمة دون أن تلبسها ثوب الحكمة، وتُعيد التفكير في الأدوات دون أن تتنازل عن الاتجاه.
تعرف أن التاريخ لا يتحرك بخط مستقيم، وأن المشاريع الكبرى تنهار حين لا تجد من يُكملها، لا حين تتعثر.
إعادة انتاج التاريخ
اليوم نسمع من جديد صوتًا يشبه صوت 1660 الانجليزية.
مشروع توسّعي يعمل علنًا على تثبيت الوقائع بقوة، لا عبر تفاوض ولا تسوية،
بل عبر خنق كل ما يخرج عن خطه:
الفلسطينيون "مشكلة"؟ لا نبحث حلًا، بل ننهي وجودهم.
إيران "تهديد"؟ لا نواجهه سياسيًا، بل نُصفي الكيان كله.
صوت احتجاج؟ لا نرد، بل نحرك أجهزة الهجرة والكلاب البوليسية—البشرية منها والحيوانية.
والرد "العقلاني" هو: "ابلعها واسكت." ادر الخد الأيسر، لأن الأيمن شال كتير
وكل مرة نرى الهزيمة نعمل عليها كوميك ونسخر من الناس الحزينة، او نسخر من الناس اللي مبسوطة من أي فعل مقاوم، بحجة عبثية المقاومة لكن هذه ليست عقلانية.
إنها استقالة فكرية مغلّفة بلغة منضبطة.
إنها إدارة منظمة للهزيمة، وإعادة توزيع الوعي على قاعدة: "افعل ما يُطلب منك، ثم صفّق لمن انتصر عليك."
العقل، حين يتحرّك في التاريخ، لا يُقاس بقدرته على توصيف الهزيمة، بل بقدرته على تجاوزها.
ربما لا نبدو عقلانيين بما يكفي وفق مقاييس عزالدين فشير،
لكننا على الأقل لا نكتب الهزيمة كحكمة،
ولا نعيد تعريف العقل بوصفه فن الانسحاق أمام الأقوى.
نحن نُراكم العقل كجزء من حركة التاريخ، تاريخ يعرف ان كل محاولة اذلال مستمر تعقبها مقاومة دائمة.
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
المشاركات الشائعة
إجابات معقدة عن اسئلة النصر والهزيمة في حرب حماس واسرائيل
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
أحمد الشرع: "الجولاني" الذي أعاد تشكيل الجهادية السلفية
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق