التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المقالات الأحدث

حزب الله... صمت بين خطأ التقدير واستنزاف القدرات

استمرار القصف الإسرائيلي للجنوب اللبناني بما فيها قصف اليوم العنيف على مناطق علي الطاهر ومرتفعات كفرتبنيت والنبطية الفوقا وجبل شقيف، رغم مرور أشهر على وقف إطلاق النار، يكشف عن واحدة من أكثر اللحظات التباسًا في مسار حزب الله منذ تأسيسه. الصمت الذي يلف الحزب ليس مجرّد خيار تكتيكي، بل لغز استراتيجي يدفع لتحليل أسبابه على مستويين: هل يراهن الحزب على أن "الكمون" سيقابل بكمون إسرائيلي؟ أم أن ما نراه هو نتيجة حقيقية لتصفية قدرات الردع، وتحول الحزب فعليًا إلى كيس ملاكمة في ساحة مفتوحة؟ أولًا: كمين التقدير الخاطئ السيناريو الأول يُفترض أن الحزب اختار التهدئة عن وعي، ظنًا منه أن امتصاص الضربات سيكبح شهية إسرائيل، وأنه كلما تراجع خطوة، هدأت النار المقابلة. لكن هذا الرهان على "عقلانية" الخصم يبدو حتى الآن خاسرًا. إسرائيل تقرأ الكمون كضعف، وتستثمر فيه بكل ما لديها من طيران واستطلاع وذخيرة دقيقة. من مارس إلى يونيو، نفذت أكثر من 900 ضربة، بعضها طال مواقع مفترضة لتخزين طائرات درون تحت الأرض، وأخرى استهدفت طرق الإمداد وصواريخ نوعية كان الحزب يحاول إخفاءها. ببساطة، إسرائيل لا تقرأ ا...

الضربة الإيرانية على إسرائيل: انكسار ذراع داوود




إيران تحدث المفاجأة

في أكبر هجوم جوي تتعرض له إسرائيل في تاريخها، شنت إيران ضربة منسقة ومكثفة بصواريخ باليستية، وصواريخ كروز، ومسيرات انتحارية، استهدفت مدنًا مركزية كتل أبيب، رمت جان، بات يام، وحيفا. لا يتعلق الأمر فقط بعدد ما قصفته إيران، بل بطبيعة ما قصفته، وتزامن الهجمات وتنسيقها.

استخدمت إيران مزج من الصواريخ الباليستية مثل صواريخ "قيام" و"ذو الفقار"، وهي صواريخ تنطلق في مسار شبه عمودي أولا، لكي يشكل قوس مثل انطلاق سهم في الهواء ونزوله على الأرض بفعل الجاذبية، حيث ترتفع إلى خارج الغلاف الجوي ثم تهبط بسرعة عالية نحو الهدف مستخدما تسارع الجاذبية.  مما يجعل اعتراضها معقدًا. 

إلى جانب صواريخ كروز منخفضة الارتفاع مثل صواريخ من نوع "سومار" و"يا علي"، وهي صواريخ تطير على ارتفاع منخفض وثابت لكي تتجنب الرادارات، غالبًا بسرعات أقل من سرعة الصوت قليلا، وتُشبه الطائرات الصغيرة في نمط طيرانها، مما يصعّب كشفها بالرادار لكنها أبطأ ويمكن اعتراضها بأنظمة متوسطة المدى

مرورًا بمسيرات "شاهد 136/238" الانتحارية وهي قادرة على حمل  حمولة متفجرات  تدميرية لكنها بطيئة ويمكن كشفها رادريا بسهولة نسبية. لكن إيران تستخدم عدد كبير منها لتشويش وارهاق أجهزة الرصد الإسرائيلي مما يسهل اختراق الصواريخ.  

وفقا لأنباء غير مؤكدة وغير موثقة فأن إيران قد استخدمت صواريخ فرط صوتية في الضربة، وهي صواريخ تفوق سرعتها خمسة أضعاف سرعة الصوت، وتتمتع بقدرة عالية على المناورة خلال الطيران، ما يجعل اعتراضها أكثر تعقيدًا حتى من الصواريخ الباليستية التقليدية. 

واقع استرتيجي جديد

مما يجعلنا امام واقع استراتيجي جديد ان صحت انباء حصول إيران على هذه الصواريخ. لكن لا تزال مشكلة هذه الصواريخ التكلفة العالية في الإنتاج خاصة في ظل العقوبات على إيران وروسيا مما يجعل استخدامها بكثافة امر غير مرجح إلى الآن

وبحسب مصادر إيرانية (تؤخذ بحذر إلى أن يتم التأكد منها من مصادر مستقلة) هناك تقارير تشير إلى أن بعض الصواريخ أُطلقت من غواصات إيرانية في البحر، في تطور نوعي إن ثبتت صحته، يفتح بُعدًا جغرافيًّا جديدًا للهجوم ويوسع من قدرة إيران على التغلب على أحد أهم خصومها الاستراتيجيين في قتال إسرائيل، البعد الجغرافي الذي يجعل إسرائيل ابعد عن مرمى النار الإيرانية. على عكس إسرائيل التي تمتلك قدرات تكنولوجية في سلاحها الجوي (تحدثنا عنها في المقال السابق) تجعل إيران في مرمى نيران تل أبيب. 

ورغم غياب التوثيق المستقل حتى الآن، فإن مجرد طرح هذا الاحتمال يعكس تحوّلًا استراتيجيًا في تصور طبيعة الرد الإيراني ويخلق مسرح عمليات جديد في عمق البحر مع إسرائيل.

استعادة الردع

تأتي هذه الضربة أيضًا في سياق محاولة إيران استعادة توازن الردع بعد الضربة الإسرائيلية الأولى التي شكّلت صدمة استراتيجية لطهران وصفعة على الوجه.

 إذ كشفت عن اختراق استخباري عميق، متمثل في معلومات دقيقة حول مواقع قيادات الحرس الثوري، واستباحة المجال الجوي الإيراني، مع قدرة إسرائيلية على تعطيل وتشويش أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية. وفي هذا الإطار، فإن الضربة الإيرانية الأخيرة ليست فقط ردًّا هجوميًا، بل هي كذلك محاولة لـ"حفظ ماء الوجه" وإعادة بناء صورة الردع التي تآكلت تحت وقع الضربة السابقة.

في المقابل، فعّلت إسرائيل كافة طبقات الدفاع الجوي: القبة الحديدية (للصواريخ قصيرة المدى)، و"مقلاع داوود" (David's Sling) للمدى المتوسط، وArrow-2/3 للصواريخ الباليستية طويلة المدى.

ورغم تفوق إسرائيل التكنولوجي وتعاونها مع واشنطن، إلا أن كثافة الضربة وتعدد مساراتها وتزامن الموجات أربكت الطبقات الثلاثة في أكثر من موقع. وقد تم تسجيل اختراقات حقيقية لمنظومة الدفاع، وسُجلت إصابات مباشرة في مناطق سكنية، وسقطت مبانٍ بالكامل.

الأرقام المتداولة في الإعلام الإسرائيلي ذاته تشير إلى مقتل اشخاص، وإصابة المئات، وتهديم مبانٍ سكنية بالكامل في مناطق حيوية، فضلاً عن توقف حركة النقل الجوي والقطارات لساعات. وبغض النظر عن عدد الصواريخ التي تم اعتراضها، فإن النتيجة على الأرض كانت واضحة: صدمة، ارتباك، وضرب للعمق. 

حسابات اسرائيل الخاطئة!!

ربما بالغت الحسابات الإسرائيلية في التفاؤل على قدرتها على صد الهجمات الإيرانية وذلك بناء على نجاحها هي وحلفائها في التصدي لأغلب الصواريخ والمسيرات الإيرانية في ابريل واكتوبر 2024. 

ربما بنت إسرائيل حسابات خاطئة ان ضربات ابريل واكتوبر من العام الماضي هي أقصى قدرات إيران. لكن يبدو أن طهران لديها مفاجأتها أيضا.

الرسالة الإيرانية كانت مزدوجة: قدرة على الإيذاء رغم التفوق الجوي الإسرائيلي، وإرسال إشارة بأن الرد الإيراني لم يعد يُقاس برمزيته مثلما حدث في ابريل واكتوبر، بل بقدرته على الأذى المادي والحقيقي. وقد تكون هذه أول مرة يتعرض فيها الداخل الإسرائيلي إلى ضربة متعددة المحاور بهذا المستوى من التناسق والفعالية.

تحاول إيران بعد الضربة الأولى إرسال رسالة لإسرائيل، الأقوى تكنولوجيا وسياسيا بحكم تحالفاتها، ومفاد الرسالة: لم تعُد هذه حربًا من طرف واحد، ولم يعد ذراع داوود غير قابل للكسر وارتبكت منظومة الردع المقدسة وفقدت القدرة على حماية العمق. 

من هنا تكمن فلسفة الضربة: ليس في القطع أو الاختراق الكامل، بل في كسر هيبة المنع وفرض المشهد كصراع مفتوح لا يملك فيه أحد أوراق السيطرة الكاملة.

لكمة مقابل لكمة

إيران الآن اشبه بشخص تلقى ضربة دامية تركت أثرها على وجهه، لكنه لم يزل واقف بذراعين قادرين على تسديد لكمات قوية تدمي وجه خصمه. 

 هي استراتيجية قائمة على القبول إنك لا تملك قدرة ان تدمّر العدو تمامًا، لكن قادر ان تخلخل ثقته بنفسه، وتضعه في حالة استنزاف دفاعي دائم. وربما هذا هو المعنى الحقيقي لاختبار الردع في نسخته الأحدث: أن تكون قادرًا على الإيذاء، لا على الانتصار الكامل. وتقنع عدوك أيضا انه، حتى لو كان قادر على الإيذاء فهو سيدفع ثمن ربما لا يحب دفعه.

تعليقات

المشاركات الشائعة