التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المقالات الأحدث

ترامب في الكنيست: خطة سلام تحت تهديد السلاح

  خطاب ترامب في الكنيست (الأهم سياسيا من كل هراءه   في شرم الشيخ) لا يفضي إلى أوسلو ولا إلى جائزة نوبل، بل إلى لاهاي على أبواب المحكمة الجنائية الدولية . لكن، بطبيعة الحال، لن يُحاسَب، لأنه الطرف الذي يمتلك السلاح في مواجهة الكوكب بأكمله . الخطاب جاء كوثيقة سياسية تحمل ست رسائل مركزية : اعترافٌ ضمني بالمشاركة في الإبادة عبر التسليح تحدّث ترامب بفخر عن الدعم الأميركي لإسرائيل وعن “الأسلحة الذكية” والقنابل الغبية والصواريخ القادرة على محو مربعات سكنية كاملة ما فوق الأرض وما تحتها، التي مكّنتها من “تحقيق النصر”، في إشارةٍ مباشرة إلى استمرار تدفق السلاح الأميركي أثناء الحرب على غزة . لم يقل إنه يسلّح للإبادة، لكنه قدّم الإبادة باعتبارها نتيجة مشروعة للدفاع عن النفس، مما يجعله شريكًا فعليًا في الجريمة، لا مجرد متفرّج أو متواطئ صامت . تمجيدٌ لقادة المذبحة وتبييض الجرائم أشاد ترامب علنًا بقادة الحرب الإسرائيلية، وخصّ بالذكر من وصفهم بـ“الأبطال الذين أنقذوا إسرائيل من الظلام”، في وقت ما زالت فيه التحقيقات الدولية تلاحقهم بتهم ارتكاب جرائم حرب . هذا الإطراء لم يك...

من «صفر تخصيب» إلى «الصاروخ الأخير»: هدنة الطلقة الأخيرة بين إيران وإسرائيل

 



أخيرا انتهت على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نجاح وساطته (وهو لم يكن وسيط بل طرف)  في فرض وقف شامل لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران. بدا البيان منسقًا ومحكمًا، يتمنى الخير والبركة لإسرائيل وإيران!!! 

بينما احتفظت إسرائيل بحق الطلقة الأولى، احتفظت إيران بحق الطلقة الأخيرة.

قبل ساعات فقط من إعلان التهدئة، أطلقت طهران وابلًا من الصواريخ الباليستية أصابت مناطق حيوية في إسرائيل، منها بئر السبع ومحيط تل نوف. الضربة كانت دامية، وربما الأكثر دموية على جنوب اسرائيل. الأهم: كانت هي الفصل الختامي للحرب، لا خطاب ترامب. احتفظت ايران بحق الطلقة الأخيرة كإنجاز معنوي تسوقه لشعبها وقبلت إسرائيل الصفعة الأخيرة كإنجاز سياسي لانزال نتانياهو من على شجرة مطالبه القصوى غير القابلة للتحقيق. 

الرسالة كانت واضحة: إيران خرجت من الجولة واقفة، وقادرة على الرد حتى اللحظة الأخيرة. أما إسرائيل، فرغم التفوق الجوي والاستخباري، لم تستطع فرض نهاية بشروطها. ماذا يفيد التفوق ان لم تملك رؤية؟ وكيف تدخل حرب لا تعرف الخروج منها؟ 

**إسرائيل: من «صفر تخصيب» إلى صفر إنجاز نهائي**

الخطاب الإسرائيلي في الأيام الأولى كان غير قابل للتفاوض:

• تفكيك البرنامج النووي بالكامل تحت عنوان Zero Enrichment. صفر تخصيب. بمعنى ليس فقط التخصيب في حدود الاستخدام السلمي، لكن لا تخصيب على الإطلاق. 

• إنهاء القدرات الصاروخية الاستراتيجية لطهران. 

• إسقاط النظام الإيراني

حتى إدارة ترامب، التي كانت لا تتبنى شعار «صفر تخصيب»،  وكانت تطالب بتخصيب منخفض، تبنت المطلب الإسرائيلي رسميًا لأول مرة، ما عُدّ إنجازًا سياسيًا لتل أبيب.  وتحول شعار "أمريكا أولا" الذي وعد به ترامب ناخبيه، الى شعار " ماتطلبه إسرائيل".

 لكن يبدو ان أحدهم استفاق من عالم الأحلام لعالم الواقع اسرع مما يتوقع وادركت الإدارة الأمريكية ان الانهاء الكامل للبرنامج النووي ربما امر يحتاج ثمن أكبر من الذي ترغب في دفعه فردت الصفقة دون اتمامها للنهاية.

نائب الرئيس الأميركي JD فانس أقرّ بوجود نحو 400 كجم من اليورانيوم عالي التخصيب لا يمكن تعقبهم– لم يتم تدميرهم، لم يتم ضبطهم، ببساطة: اختفوا. 

تقارير استخباراتية متعددة كشفت أن منشآت نطنز وفوردو تضررت، لكن البنية العميقة بقيت. الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت بوضوح: «لا يمكننا حتى الآن تأكيد حجم التدمير الكامل أو معرفة قدرة إيران على استئناف التخصيب خلال أسابيع».

بمعنى أدق: البرنامج لم يُفكك بل تضرر، ولم يُنهَ بل تراجع إلى الظل.

**إيران: الضربة المحدودة التي حافظت على الردع**

إيران لم تنتصر. لكنها فاجأت الجميع بأنها لم تخسر.

تعرضت منشآتها النووية لضربات دقيقة، وسُجّلت خسائر في قيادات الحرس الثوري وبنية الدفاع الجوي وتم اختراق حتى نخاع الدولة الشوكي استخباريا وأطلقت إسرائيل مسيرات من قلبها. ومع ذلك، احتفظت طهران بقدرة الرد حتى لحظة الحرب الأخيرة. الضربة الأخيرة لإسرائيل كانت بمثابة «توقيع سياسي دموي» على وثيقة وقف النار.

أما الضربة التي استهدفت قاعدة العديد الأميركية في قطر، فجاءت محسوبة: رمزية دون استفزاز شامل. ضربٌ لحفظ ماء الوجه لا لكسر قواعد اللعبة.

**المجتمع الإسرائيلي: بين تأييد الحرب والخوف من آثارها**

استطلاعات الرأي أظهرت أن أكثر من 80٪ من اليهود الإسرائيليين أيدوا الحرب ضد إيران، لكن التأييد لا يعكس بالضرورة القدرة على التحمّل.

في الأيام الأولى من القصف الإيراني، غادر ما يزيد على 50 ألف إسرائيلي البلاد، بعضهم إلى قبرص، وآخرون عبروا من طابا إلى مصر. لم يكونوا معارضين للحرب، لكنهم ببساطة غير راغبين في دفع تكلفتها.

هنا تظهر المفارقة الكبرى:

مجتمع يؤيد الحرب عقليًا، لكنه يرفضها نفسيًا. يريد النصر، لكن من دون ثمن.

**ماذا بقي من الحرب؟**

الحرب لم تُسقِط النظام الإيراني، ولم تُنهِ برنامجه النووي، ولم تُحيّد قدراته الصاروخية.

إيران لم تُحرر القدس، ولم تردع إسرائيل، ولم تُنقذ غزة.

لكل طرف رواية، لكن الحقيقة الأوضح:

كل طرف قبِل بما لم يكن يقبله قبل أسابيع فقط.

هذا وحده كافٍ لفهم أن الحرب لم تُنهِ شيئًا… بل أجّلت كل شيء.

**النار تحت الرماد**

وقف إطلاق النار جاء دون صور نصر، ودون أعلام تُرفع. لا استعراض جوي، ولا خطب أمام الجماهير.

فقط بيان من واشنطن، وضربة في بئر السبع، وغموض في فوردو ونطنز.

هذا ليس سلامًا. هذا هدوء مؤقت في معركة طويلة او ترحيل للنار تحت الرماد لا إطفائها.

ومَن لم ينهزم، لم ينتصر أيضًا.

ومَن لم يصرخ اليوم، قد ينفجر غدًا.

تعليقات

المشاركات الشائعة