التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المقالات الأحدث

حزب الله... صمت بين خطأ التقدير واستنزاف القدرات

استمرار القصف الإسرائيلي للجنوب اللبناني بما فيها قصف اليوم العنيف على مناطق علي الطاهر ومرتفعات كفرتبنيت والنبطية الفوقا وجبل شقيف، رغم مرور أشهر على وقف إطلاق النار، يكشف عن واحدة من أكثر اللحظات التباسًا في مسار حزب الله منذ تأسيسه. الصمت الذي يلف الحزب ليس مجرّد خيار تكتيكي، بل لغز استراتيجي يدفع لتحليل أسبابه على مستويين: هل يراهن الحزب على أن "الكمون" سيقابل بكمون إسرائيلي؟ أم أن ما نراه هو نتيجة حقيقية لتصفية قدرات الردع، وتحول الحزب فعليًا إلى كيس ملاكمة في ساحة مفتوحة؟ أولًا: كمين التقدير الخاطئ السيناريو الأول يُفترض أن الحزب اختار التهدئة عن وعي، ظنًا منه أن امتصاص الضربات سيكبح شهية إسرائيل، وأنه كلما تراجع خطوة، هدأت النار المقابلة. لكن هذا الرهان على "عقلانية" الخصم يبدو حتى الآن خاسرًا. إسرائيل تقرأ الكمون كضعف، وتستثمر فيه بكل ما لديها من طيران واستطلاع وذخيرة دقيقة. من مارس إلى يونيو، نفذت أكثر من 900 ضربة، بعضها طال مواقع مفترضة لتخزين طائرات درون تحت الأرض، وأخرى استهدفت طرق الإمداد وصواريخ نوعية كان الحزب يحاول إخفاءها. ببساطة، إسرائيل لا تقرأ ا...

الضربة الإسرائيلية على إيران: ثلاث مفاجآت استراتيجية تكشف عمق الأزمة




الضربة الجوية الإسرائيلية على إيران فجر 13 يونيو لم تكن مفاجِئة من حيث التوقيت أو النية، لكنها كانت كاشفة لثلاث مفاجآت استراتيجية:


1- امتلاك إسرائيل عددًا كبيرًا من الطائرات المتقدمة ذات القدرات الشبحية القادرة على تنفيذ ضربات دقيقة في العمق وعلى مدى بعيد.

2- احتمال وجود تنسيق ميداني مع دولة ثالثة (أو دول ثالثة) في الإقليم، سواء في المجال الجوي أو في الصمت الراداري.

3- اختراق أمني عميق داخل الدولة الإيرانية، تجاوز حدود الثغرة إلى حدود التواطؤ البنيوي.


أولًا: سلاح جو يزداد قدرة وأنظمة دفاع مخترقة ومقاتلات شبحية بأعداد كثيفة:

شاركت في العملية حوالي 200 طائرة مقاتلة منها طائرات من 3 طرازات متقدمة:


F-15I "Raʾam": طائرات ثقيلة، ذات مدى ممتد، مزودة بقدرة على حمل قنابل خارقة للتحصينات (مثل GBU 28)، وتُستخدم لاستهداف منشآت تحت الأرض مثل نطنز.

F-35I "Adir": نسخة إسرائيلية معدلة من الطائرة الشبحية F-35، استُخدمت في الضربة بوضع "Beast Mode"، الذي يتيح حمل ذخائر خارجية بكمّ كبير على حساب الشبحية الكاملة، لكن مع قدرة على الهرب والمناورة.

F-16I "Sufa": طائرات متعددة المهام مزودة بخزانات وقود جانبية، مخصصة لضربات دقيقة ومرافقة لوجستية.


لكن المفاجأة لم تكن في الطائرات فقط، بل في قدرة هذه القوة على تنفيذ الضربة من مسافة بعيدة جدًا، والعودة دون خسائر — وهو ما لم يكن ممكنًا لولا الذراع اللوجستي الطائر: طائرات Boeing 707 Re’em.


كيف وصلت الطائرات إلى إيران؟

التزود بالوقود في الجو كنز: Boeing 707 Re’em


طائرات Re’em 707 هي نسخة معدلة من Boeing 707، مخصصة للتزود الجوي، تديرها القوات الجوية الإسرائيلية عبر اللواء 120 في قاعدة "نيفاتيم".

استخدمت هذه الطائرات في الضربة لتزويد المقاتلات الإسرائيلية بالوقود مرتين: في طريق الذهاب مرة، وفي طريق العودة أثناء الانسحاب، لضمان سلامة الانسحاب.

تستخدم ذراع Boom خلفي، على ارتفاعات عالية، مع تنسيق زمني دقيق مع الطائرات الهجومية.


الغريب أن هذه الطائرة نفسها ضخمة وبطيئة نسبيًا، وبصمتها الرادارية عالية، مثل كل طائرات بوينج المدنية بالمقارنة بالطائرات العسكرية. وبالتالي لا تدخل أبدًا المجال الإيراني.

بما يعني أنها تحتاج التحليق فوق مناطق آمنة وهي مصاحبة بطائرات حماية مقاتلة مثل F-15، بما يعني تواطؤ أو تساهل دولة ثالثة لتوفير منطقة آمنة (على الأرجح شرق الأردن أو غرب العراق، أو سوريا)، بما يمهد للمفاجأة التالية.


ثانيًا: العملية لم تُنفذ من فراغ جغرافي... هناك دولة ثالثة في المسار

لكي تصل 200 طائرة إسرائيلية إلى العمق الإيراني، لا بد أن تعبر أجواء دول ثالثة. إسرائيل لا تملك حدودًا مع إيران، ولا يمكن تنفيذ هذا النوع من الهجوم عبر البحر فقط.


وهنا تبرز واحدة من أكثر النقاط حساسية:

لا يمكن تنفيذ ضربة بهذا الحجم والطول والدقة من دون تنسيق — أو على الأقل تغاضٍ محسوب — من دولة ثالثة تقع على مسار الرحلة.


المسار المحتمل:


الإقلاع من قواعد إسرائيلية مثل نيفاتيم وحتسور.


عبور المجال الجوي لـ الأردن أو شمال السعودية أو دير الزور بسوريا.


الدخول إلى غرب العراق (محافظة الأنبار أو ديالى)، ومنها إلى العمق الإيراني.


هذا المسار ليس مجرد خط على الخريطة، بل منطقة مكتظة بمحطات رادار، دفاعات جوية، وقواعد أميركية ومراكز قيادة.


وبالتالي، فإن عبور هذا المجال الجوي بهذا الحجم وبدون اعتراض أو رصد علني يشير إلى واحد من احتمالين:


تنسيق صامت: سكوت مدروس من جهات إقليمية، قد تكون الأردن، أو حتى أطراف في العراق، يسمح للطائرات بالمرور دون تشغيل الدفاعات أو الإبلاغ.


تفوق إلكتروني واستخباراتي إسرائيلي: استخدام أنظمة تشويش وممرات جوية تم اختبارها مسبقًا، بتواطؤ جزئي من أجهزة رقابة جوية.

وهو ممكن طبعًا للطائرات الشبحية، لكن يقرب من الاستحالة لطائرات التزويد بالوقود.


لا يمكن القفز لاستنتاج، لكن تصور طائرات بوينج تهرب من المدى الراداري أشبه بتصور أن لا ترى فيلًا في الغرفة التي تعيش فيها.


ثالثًا: الاختراق الأمني… دولة مخترقة من الداخل إلى هذا الحد؟

ربما كانت أكثر مفاجآت الضربة الإسرائيلية فجر 13 يونيو ليست في الجو، بل على الأرض الإيرانية نفسها.


فالمعلومات التي كشفتها تقارير إعلامية أشارت إلى ما هو أبعد من الرصد أو التجسس:

إسرائيل أنشأت قاعدة لطائرات بدون طيار داخل إيران، قرب طهران، كانت فاعلة ومشغَّلة في ساعات تنفيذ الضربة.


تم إنشاء القاعدة السرية من خلال عمليات تهريب تدريجية لطائرات بدون طيار، ومعدات توجيه ومراقبة، عبر شبكات استخبارية داخل إيران.


يُعتقد أن تشغيل القاعدة تم بالتعاون مع عناصر محلية أو خلايا نائمة داخل البلاد.


القاعدة أطلقت عشرات الدرونز المفخخة في الليلة التي سبقت الهجوم، واستهدفت:


بطاريات صواريخ أرض-أرض.


مواقع رادار.


أنظمة دفاع جوي قرب العاصمة.


الهدف:


لم تكن هذه الضربات من الداخل ذات قيمة نارية كبيرة، لكن هدفها كان تفكيك الطبقة الدفاعية الإيرانية لحظة الهجوم الجوي، وإرباك التنسيق بين الوحدات الأرضية.


وبالفعل، ساهمت في:


إحداث فجوة مؤقتة في الغلاف الجوي الدفاعي.


تسهيل اختراق المقاتلات الإسرائيلية للأجواء دون اعتراض فعال.


إرباك منظومة اتخاذ القرار في اللحظات الأولى للهجوم.


ماذا يعني هذا المستوى من الاختراق؟

هنا نتجاوز الحديث عن "فشل أمني"، وندخل إلى مستوى الاختراق البنيوي لمؤسسات الدولة الإيرانية:


قاعدة طائرات بدون طيار تعمل من داخل العمق الإيراني دون اكتشاف؟


مساعدة داخلية على جمع المعلومات والتنسيق؟


انكشاف مواقع دفاعية أمام عدو خارجي بدقة؟


هذه ليست فقط مؤشرات على هشاشة أمنية، بل تعكس ما يمكن تسميته بـ"نزع الشرعية الأمنية" عن الدولة ذاتها:

حين تصبح قطاعات من السكان، أو من الجهاز البيروقراطي، في موقع متفرج أو متواطئ أو صامت – أمام ضربة عسكرية أجنبية.


لماذا لا ترد إيران بنفس الحجم؟

الضربة الجوية الإسرائيلية في 13 يونيو لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل كانت عرضًا شاملًا لتفوق استخباراتي وتكنولوجي وتنظيمي، كشف عن هشاشة متعدّدة الأبعاد داخل الدولة الإيرانية.

وإذا كانت تل أبيب قد نفّذت الهجوم على ثلاث مراحل (اختراق استخباراتي، تمهيد ميداني، تنفيذ جوي)، فإن طهران – حتى الآن – لم تبدأ حتى مرحلة الرد الجاد.


1. الجغرافيا ضد إيران

إيران بلد شاسع المساحة (1.6 مليون كم²)، تحيط بها حدود طويلة مع دول متعددة ليست كلها صديقة، بل ربما أغلبها غير صديق وبعضها هش أمنيًا أو غير خاضع لسيطرة مركزية قوية (مثل كردستان العراق، أو غرب باكستان).

هذه المساحات المفتوحة تسهّل التسلل، وتخلق آلاف "الثغرات" الأمنية.

في المقابل، إسرائيل دولة صغيرة، محاطة بجدران دفاعية، ورادارات، وشبكات مراقبة شاملة – تجعل تنفيذ عملية مشابهة شبه مستحيل.


2. التركيبة السكانية كقنبلة موقوتة

يعيش في إيران ما يقرب من 20 مليون نسمة من غير الفرس، موزعين بين:


أذريين في الشمال.


أكراد في الغرب.


عرب في الجنوب.


بلوش في الشرق.


بالإضافة إلى آلاف اليهود الذين ما زالوا داخل البلاد.


في غياب سياسة دمج عادلة، وتحت ضغط القمع والمركزية، يتحوّل هذا التنوع إلى نقاط اختراق أمنية.

أي دولة تسعى لضرب إيران تستطيع – كما يبدو – أن تجد من يعاونها داخل هذا النسيج الممزق، بدافع السخط أو الانتقام أو حتى النجاة.


3. الأزمة السياسية: دولة فقدت شرعيتها عند قطاعات واسعة من شعبها

منذ انتفاضات 2022، مرورًا بتشديد القبضة الأمنية، أصبح النظام الإيراني يحكم بالقوة فقط، في ظل فقدان شرعية واسعة النطاق.

هذا الانفصال بين السلطة والمجتمع يجعل الدولة أكثر عرضة للاختراق:


خصومها لا يثقون فيها.


موظفوها لا يقاتلون من أجلها.


وجمهورها لا يعتبرها ممثلًا له في لحظة الخطر.


4. الفرق بين من يهاجم ومن يدافع

إسرائيل هي من اختار التوقيت، والمسار، والأدوات.

ضربت من الجو، ومن الداخل، وفي لحظة مفاجئة.


إيران الآن في موقع الدفاع، محكومة بثلاثة خيارات جميعها مكلف:


ردّ مباشر، قد يشعل حربًا شاملة وتتحمل تبعاتها ختى تستعيد الردع بما في ذلك من مخاطرة في نتائج الحرب.


رد غير مباشر، عبر حلفائها (الضعفاء بالفعل على أثر الحرب الطويلة)، لكنه لن يعوّض الخسائر الرمزية.


أو الصمت المؤقت، رغم الضغط الشعبي والدعائي.


في النهاية

الضربة لم تكشف ضعف إيران العسكري فقط، بل عرّت عمق أزمتها كدولة منهكة، من الداخل أكثر من الخارج.

ولهذا، فإن صمتها – أو ردّها المحدود لاحقًا – لن يكون فقط قرارًا عسكريًا، بل اعترافًا ضمنيًا:

أنها صارت دولة قابلة للاختراق وغير قادرة على إيقافه.

تعليقات

المشاركات الشائعة