بحث هذه المدونة الإلكترونية
مكان لفهم أعمق للعالم، من منظور عربي عالمي. مدونة تسلط الضوء على تعقيدات العالم العربي في سياق عالمي.
المقالات الأحدث
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
سقوط النظام الإيراني.. هل هو الخبر السار للعالم فعلا؟
1- النظام الإيراني: ضعف نسبي… ولكن ليس تجربة عراقية قابلة للاستنساخ
النظام الإيراني يواجه بالفعل ضغوطًا داخلية ملموسة، لكن الرهان على الإطاحة به عبر القصف أو الضغط الخارجي ليس سوى سيناريو قائم بثمن باهظ، يشبه مغامرات غزو أفغانستان أو العراق: ممكن من حيث الفكرة، لكنه كارثي في التطبيق، وفاتورته الجيوسياسية تفوق مكاسبه المحتملة. إسقاط الأنظمة ليس تمرينًا في الدقة الجوية، بل عملية معقدة تشترط تآكل الشرعية من الداخل، وتوفر قوة عسكرية بديلة ذات امتداد شعبي، وهو ما لا يتوافر في الحالة الإيرانية حاليًا. بل إن أي محاولة لإسقاط النظام بالقوة الصلبة، وتحديدًا من قبل إسرائيل، ستُقرأ داخليًا كإهانة قومية، وتؤدي إلى نتيجة معاكسة: التفاف وطني حول النظام، لا انهياره.
إيران، حتى في لحظات ضعفها، ليست دولة بلا عمق سياسي أو اجتماعي، وهي محاطة بجيران مأزومين، وليست عدوًا معزولًا كما كانت طالبان في 2001 أو صدام في 2003. وأي فراغ تخلفه الفوضى الإيرانية لن يملؤه "البديل الديمقراطي"، بل شبكة من الصراعات الداخلية والإقليمية، قد تبدأ بتمردات عرقية وتمتد إلى حرب أهلية مدعومة بتدخلات إقليمية ودولية متعددة الرؤوس.
2- استنزاف ام ضربة قاضية؟
وفي المقابل، فإن ما نشهده اليوم ليس إسقاطًا بالمعنى العسكري، بل استنزافًا دقيقًا عبر حرب استخباراتية وجراحات موضعية: هجمات بطائرات متطورة داخل العمق الإيراني، اغتيالات موضعية، تسريب معلومات دقيقة عن مواقع الحرس الثوري، وضربات جوية تستهدف المنشآت الحساسة، باستخدام أدوات مثل مسيرات انتحارية من طراز “SkyStriker” أو “BlueBird WanderB” وصواريخ موجهة إسرائيلية مثل “SPIKE NLOS” أو “Delilah”، تُطلق إما من الجو أو عبر خلايا تعمل على الأرض. هذه ليست عملية تحرير شعبية، بل مسرح عمليات ضيق بمفعول تكتيكي محدود، هدفه خلق شروخ نفسية وتشتيت تركيز المؤسسة العسكرية.
لكن النجاح في هذا النوع من الحروب لا يكفي. لا تنهار الأنظمة عبر الطعنات الاستخبارية فقط. بل يتطلب الأمر تحولًا في المزاج الشعبي الداخلي، وهو ما لم يتضح بعد أن إسرائيل قادرة على صناعته. فأن يتحول المواطن الإيراني إلى مؤيد فعلي لضربات العدو، هذه قفزة غير واقعية، وغير مسبوقة في تاريخ الصراعات، خصوصًا في مجتمع لا يزال يحمل ذاكرة قومية ثقيلة من الغزو والصراع مع الغرب.
3- لماذا لا يشبه النظام الإيراني نظام صدام؟
للإجابة على سؤال إسقاط النظام الإيراني اليوم، لا بد من العودة إلى التجربة العراقية. فرغم أن نظام صدام حسين كان معزولًا، منهكًا بعد سنوات من الحصار، ومحاطًا بجبهات معادية، إلا أن إسقاطه تطلّب غزوًا أميركيًا شاملًا، استنزف واشنطن لسنوات، وخلّف فراغًا استراتيجيًا لم تنجح في ملئه حتى اليوم.
الفارق الأهم أن الولايات المتحدة – بقوتها العسكرية الساحقة – فشلت في تحويل النصر العسكري إلى مشروع سياسي ناجح في العراق. فكيف يمكن لإسرائيل، وهي قوة إقليمية وليست عظمى ودرجة العداء الموجه لها أكبر، أن تسقط النظام الإيراني بضربة جوية فقط، دون أن تجد نفسها أمام فوضى شبيهة أو حتى أكثر تعقيدًا؟
4- الرجل الذي يريد اشعال العالم
يريد نتنانياهو بإعلانه أن الهجوم في 13 يونيو هدفه " القضاء على البرنامج النووي الإيراني وتغيير النظام" في طهران، إشعال العالم كله. التصريح لم يكن تصريحًا عابرًا، بل أشبه بصفعة على وجه القومية الإيرانية. إذ مثّل ذلك تهديدًا مباشرًا لهوية الدولة، ودفع حتى بعض المعارضين للنظام إلى التماهي الوطني معه ضد العدوان الخارجي.
5- ليس بالضربات الجوية تسقط الأنظمة
لا تسقط الأنظمة بالضربات الجوية فقط، بل تحتاج لقوة على الأرض، وحاضنة اجتماعية تتبنّى التغيير. وفي حالة إيران، لا يبدو أن أيًّا من الشرطين متوفّر حاليًّا. السلاح الجوي وحده قد يوجّه ضربات دقيقة، لكنه لا يستطيع اقتلاع نظام سياسي متجذّر، وله بنية أمنية وعسكرية متمرسة، وجهاز بيروقراطي ضخم.
هل إسرائيل جاهزة لهذه القوة؟
• إسرائيل تهدف إلى تبديد ترسانة صواريخ إيران وضرب بنى تحتية حيوية، ولكن تهديد تغيير النظام كاملًا من خلال القوة الجوية فقط كلام مبالغ فيه. مراقبون في تل أبيب والواشنطن يقولون صراحة: “لا يمكن لأول دولة تنفيذ ذلك بمفردها” .
• سيناريو “جيش عملاء الداخل الإيراني” الذي تقدمه إسرائيل كحصان طروادة خاص بها الذي يقود إلى السقوط النهائي يبدو أقرب للأساطير وأبعد عن الواقع، فلا توجد جماعة مسلحة كبيرة داخل إيران تديرها إسرائيل بشكل مستقل، بل هناك اختراقات من عمليات Mossad داخلية—مثل عمليات زرع طائرات مسيرة صغيرة (طراز “سبايك”) لتدمير دفاعات طهران أو تشتيت الدفاع الجوي او الاستهداف الدقيق للقادة الإيرانيين.
في غياب نواة شعبية قوية داخل إيران تساند مشروعًا خارجيًّا لتغيير النظام—خصوصًا إن ارتبط هذا المشروع بإسرائيل—فإن أي انفجار داخلي لا يضمن إسقاط النظام، بل قد يرتد في الاتجاه المعاكس، ويُوظَّف لتعزيز قبضته. "الحرب ضد العدو الخارجي" لطالما كانت أداة فعالة في خطاب الأنظمة المتأزمة لشحذ الولاء وإخماد الاعتراضات. والنظام الإيراني، بخبرته العقائدية والأمنية، يجيد استثمار هذا النوع من التهديدات لبناء إجماع تعبوي حول "السيادة" و"الكرامة الوطنية"، حتى لو كان زائفًا أو قسريًّا.
6- تفجير قنبلة عقائدية وديموجرافية
لكن الأخطر، أن انفجار إيران لن يبقى شأنًا داخليًّا. تفجير إيران هو اشبه بتفجير قنبلة عقائدة وديموجرافية لكتلة كبيرة من البشر. إيران ليست سوريا. دولة بحجم سكاني يتجاوز 85 مليون نسمة، ونظام له امتدادات عقائدية وعسكرية في الإقليم، لن تتحوّل بسهولة إلى ساحة صراع معزولة.
بل الأرجح أن تتفجر حدودها ومنافذها ونفوذها معًا، فتُنتج فوضى إقليمية مركّبة: في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وصولًا إلى الخليج. بل سيتجاوز المنطقة كلها. ما يبدو في الظاهر خيارًا 'تحرريًّا' قد يصبح كارثة ذات طابع كوني، لا إقليمي فقط. فكما تسبّب انهيار الدولة السورية في موجات هجرة كبرى، وصعود اليمين المتطرّف في أوروبا، وتحوّلات في سياسات الأمن واللجوء من واشنطن إلى برلين، فإن انفجار إيران—كدولة أكبر، وأكثر ترابطًا بالعالم، وذات شبكة نفوذ عابرة للحدود—قد يخلّ بتوازنات لا تقتصر على الشرق الأوسط، بل تمتد لتشمل الاقتصاد العالمي، وخطوط الطاقة، والاستقرار السياسي في الغرب نفسه.
إسقاط النظام الإيراني بالقوة – سواء عبر ضربة إسرائيلية أو عملية تآكل داخلي مدعومة خارجيًّا – قد يفتح أبواب جهنم لا على إيران وحدها، بل على العالم. وما يبدو في الظاهر خيارًا مدفوع بغرور القوة، قد يصبح كارثة تتجاوز في مداها انفجار العراق وسوريا مجتمعين.
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
المشاركات الشائعة
إجابات معقدة عن اسئلة النصر والهزيمة في حرب حماس واسرائيل
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
أحمد الشرع: "الجولاني" الذي أعاد تشكيل الجهادية السلفية
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق